الشباني وبياناته

ثقافة شعبية 2024/10/10
...

كاظم غيلان

بينما يجثمُ ليلُ الرعبِ على قلوب العراقيين عقب انقلاب شباط الدموي 1963 وعصابات الحرس اللاقومي تبطشُ بالشيوعيين العراقيين والموالين لعبد الكريم قاسم، كانت الديوانيَّة تلتحفُ الآهات والأنين تحاورُ الفرات الذي يشقُّ جسدها، وهنا غامرَ أربعة من شبانها في الاستيلاء على آلة كاتبة (طابعة) في متوسطة الديوانيَّة للبنين ليغرقوا المدينة ببياناتٍ منددة بالانقلاب وتحرضُ على إسقاط حكومة البعث، استيقظت المدينة لتتنفسُ أوكسجين الأمل والثورة القادمة، ألقي القبض على هؤلاء الشبان وسيقوا إلى المحاكم ليرموا في سجن الحلة المركزي، كان علي الشباني أحد هؤلاء إضافة إلى (صبحي حسين، عدنان فدعوس، حليم عبد). في ذلك السجن تفتقت موهبة علي الشباني الشعريَّة ليكتب قصيدته الكبيرة (خسارة) في العام 1967:
"يمه والعباس ما عندج ولد ينزع الغيره             يوكف لطاري المراجل بيرغ ابيض.. كلبه ديره
بيها مذبوح الشرف                                    واليشبك اجدامه الظهر يعرك ضميره
أنت شاعر؟
اكتب أشعارك على شيلة ابنيه                      واقره للمكروص شعرك
بلجي يبرد غضب حيه "
القصيدة هذه لاقت استحسان وثناء مظفر النواب الذي كان يقيم في ذلك السجن، كانت ولادة شعريَّة مهمَّة في منجزات القصيدة العاميَّة الجديدة التي ابتدأها النواب منذ "للريل وحمد" ولربما كانت أول إشارة ثناءٍ من مظفر لشاعر عامي. قصيدة الشباني هادرة تشبه الفرات في غضبه، لها ما يشبه الصهيل الذي يمزقُ ليلَ المهادنات المستمر. كتب الشباني قصائده وهو ممتلئٌ بكل ما في الحماس من مدياتٍ وطنيَّة وجماليَّة:
"خذني كتلك لاتردني                 صفكة اجناحين خذني،  
 اهناك لوجاك الغوه وشوك اللعب            من جرف نجمه بعيده أرضه تذبني
خذني يشكر،..               تشتهي الدنيه وكتها ترد لامس
روحي بستان العصر، وحشه                    ومشت عنه الشمس".
لم يكتف علي بذلك البيان الذي سُجِنَ بسببه، فقد ظلَّ الاحتجاج ينمو بداخله ويتسع ويضيء حتى كتب قصيدته (بيان للزمن المذبوح) وقرأها في المهرجان السنوي الذي انعقد بمدينة السماوة/ تموز 1972:
"لا.. بوجه السلطان اصبحن لا                      واكتب خوف الولايات                              
  تيهنه مفاتيح الصدك                                    واغركنه بالنيات                                  
  ياحزنك وكت ميشوم                                     اشتم بيك بالشدات  
كتب خوف الوطن مثلما كتب مقاومته الباسلة وصمته النبيل الذي قاله النواب في رسالة شخصيَّة: (حتى صمتك يأتيني كصهيل يا علي).
صمتُ علي كان احتجاجاً على ما وصلت إليه القصيدة العاميَّة من إسفافٍ وتردٍ مذ ألبسوها ثياب الحروب والزيتوني وأوصلوها إلى قعر الانحطاط وأخذوا بها إلى مصاف الزعيق والصراخ الهستيري.
أضاء علي الشباني منجز شعر العاميَّة بأيام شمسه واستمر بإدانة (ليل التتر) معلناً (هذا التراب المر حبيبي). للتراب العراقي وثقافته الأولى انتمى علي الشباني حتى عاد إلى تراب الأبديَّة فكان (خسارة) كبيرة موجعة.