بمناسبة ذكرى رحيله.. علي الشباني متحررٌ من الكتابة التقليديَّة

ثقافة شعبية 2024/10/10
...

 سعد صاحب

ينفرد علي الشباني بصوته الصافي، ما بين أصوات الجيل الستيني الصاخبة، فهم كتبوا القصيدة الشعبيَّة ببسالة فريدة، وأوصلوها الى العلياء، وأجلسوها على عرش الإبداع مثل الملكة، وأبدعوا في التجريب والمعمار واقتحام الممنوع، وافتضاض بكارة الغرائبي، وتشخيص الأخطاء وإدانة الحكام السيئين، وإعلان الموقف المبدئي من الطغاة والوجود والكون والوطن والحب والسياسة، وعدم التوقف في محطة معينة، والمضي الى عوالم جديدة، تجود عليهم بالألوان والأضواء والأفكار والأخيلة الغريبة والصور:
(تمر بيه السچچ سكته وارد مذبوح/ لن طولك بعد مامش/ ولك عمري عطش/ عمري مهر مجنون/ ولك عمري تعنالك/ يهلبت چلمه بيك اتهون).
والشباني متحررٌ من الكتابة التقليديَّة، ومن الأساليب الشائعة، وهو متفاعلٌ الى درجة كبيرة، مع ما يكتبه أبناءُ جيله من القصائد الجيدة، لا سيما طارق ياسين وعزيز السماوي، وهذا التواصل يزيد من تنمية المهارات الفنيَّة، ويقلل من التزمت والعناد والتشبث بالرأي حد الاختلاف، وكان يثير التساؤل بما يكتب من الأشعار المتمردة على الأنماط القديمة، وذلك لقناعته التامَّة بأنَّ الحريَّة ليست حكراً على الطواغيت، وإنما هي حقٌّ موهوبٌ من الرب الى البشر، لا سيما المبدعين منهم، وبغيابها تتوقف عجلة الأكوان عن الدوران وتنتشر المخاوف:
(اني الطحت بدروبك مذله وهم/ افر گلبي بسواليفك واطيحن دم/ وانته مسيس بكل السواجي ورود/ وانته مسيس بكل الگلوب ورود).

قصيدة ناضجة
صحيح ان اسمه ارتبط بالفكر اليساري، منذ نعومة الأصابع، لكنه كتب عن العشق بطريقة مؤثرة، ولم يرزح شعرياً تحت نظريَّة أو فكرة أو مدرسة واحدة، وظلَّ يرشف من كل الينابيع الشفيفة، ويقدم لنا قصيدة ناضجة، وجهها الأول غزلي والثاني سياسي، والثالث اجتماعي والرابع ثقافي، والخامس قابل للتحليل بحسب ثقافة القارئ:
(اني بيه السكته تمشي سنين/ تعبان النهر بالماي/ ثگلان النهر بالطين/ والسكته جسر ع الماي/ روحي الياجرف تردين).
إنَّ قصيدته مستقلة بذاتها، أي أنَّها لا تأخذ من أحدٍ شيئاً، ولا تجاري شاعراً مهما كان مميزاً في الساحة، وهي شجاعة بما تطرح من الأفكار الجريئة ، ومن المضامين البناءة لترميم مسيرة الإنسان المنكسر، وشجاعة بعدم الانصياع للتقليد، ورفض الانجرار وراء السراب المخادع، ومحاربة الإخفاق بكل وسيلة:
(وترجف بروحي محنه/ غنه حتى الخوف بيه الماي غنه/ وفاضت بروحي المحنه/ واعتنيت الشوگ بيه وما خفت/ خافت عيونك عليه وما خفت/ طشريت ايامي دوهني غرامك حيل/ وبروحي
تهت).