كاظم لفتة جبر
يعد مفهوم الهوية من المفاهيم الأساسية في فهم دوافع الأفراد والمجتمعات، فالهوية قد تعبر عن مرجعيّة الإنسان سواء كانت العرقيَّة أو الدينيّة أو الوطنيّة، وقد تجتمع معاً لهدف معين.
فالهوية تعني التشابه، أو أن يكون الشيء نفسه، وهي تمثيل الفرد في الجماعة، ولكل أمة هويّة تعرف بها سواء كانت مجموعة صفات، أو مميزات، أو أرضا واحدة تجمعهم، أو رغبة أو هدفا، أو دينا، أو ثقافة حضاريّة، فالهويّة قد تكون شكلاً، وقد تكون فكرة.
فالهوية الوطنية محدودة بحضارة وأرض جغرافية، والهوية الدينية ممتدة عابرة للحدود كونها عمودية، والقومية تعتمد على اللغة والثقافة والعادات والتقاليد، والعلمانية أو الشيوعية أو الرأسمالية، أو قل ما شئت من المصطلحات التي تستخدمها الانظمة الفكرية أو السياسية لنشر أيديولوجيتها وسيطرتها على العالم، تظهر مقاومتهم من خلال الرفض للآخر.
ففهم الهوية مهم لفهم تمثيل كل فرد من الجماعة ورسم هدفه ومشاركته وغاياته، فالمقاومة فكر يتمثل من خلال إحدى الهويات سواء كانت الدفاع عن وطن، أو عن دين أو عرق، أو ثقافة. وقد تكون المقاومة مادية من خلال حمل السلاح، أو معنوية تستخدم للمساندة والدفاع عن فكر.
ففي كل حرب يظهر صراع الهويات، وأصل كل حرب هو صراع بين الهويات، من خلال فرض هوية على أخرى، سواء كان بالاستعمار للأرض بعد احتلالها، أو التهجير، أو استخدام العنف والنفي لهوية فردية أو جماعية.
عند الحرب السياسية تظهر المقاومة من الهوية الوطنية، وعند الحرب الدينية تظهر المقاومة من الهوية الدينية، وقد تكون داخلية كالحروب الاهلية أو الطائفية أو دفاع عن دين، أو خارجية عابرة للحدود كما هي مع فلسطين، وعند الحرب العالمية تظهر التحالفات والمصالح السياسية وهي هويات مؤقتة تشكلت نتيجة مصلحة اقتصادية أو ثقافية أو سياسية أو دينية.
فالمقاومة منهج للأحرار قبل أن تكون فكرا أيديولوجيا، وهوية لكل مظلوم ضد كل معتدٍ مهما تعددت أطماعه بالأرض أو بغيرها. ولكل مقاومة رموز وأبطال ، كما ان لكل أيديولوجية قادة وأساطير تستقيهم من الأفكار أو الدين.
فالحرب الدائرة بين الكيان الصهيوني الذي لا جغرافية له سوى إنه مستعمر في أرض ليست أرضه تسمى اسرائيل ذات المعنى الديني، وبين المقاومة بتوجهها الديني، ما هي إلا حرب هويات دينيّة وقوميّة. أي بمعنى أنها موجودة باتجاهين، فالأول قومي وقد أعلن نكبته في العام 1948، والثاني ديني ما زال يواصل مهمته في الحرب ضد الاستعمار. الأول باقٍ برعاية الذل وأعلن تطبيعه واعترافه بالكيان الغاصب، والثاني ما زال يدفع ثمن مقاومته داخلياً وخارجياً.
أصحاب الهويّة القوميّة باعوا هويتهم من أجل مصالحهم، ويعيبون على أصحاب الهويّة الدينيّة مقاومتهم ووقوفهم بالضد من الكيان، فالكيان فكرة استعمرت الأرض ونهبت خيراته، والمقاومة حق، وهي تمثل هويتهم وأنفسهم، ومن تخلى عن هويته تخلى عن نفسه وعقيدته، وأصبح لا يشبهها، فالكثير من الدول أصبحت لا تشبه هوياتها، لأنها تخلت عن قضيتها وإنسانيتها، فأصبحوا لا يشبهون ذواتهم، ليسوا عرباً، بل مستعربون، لم يتبق من هويتهم سوى لغتهم.
فالمقاومة تعني الهويّة، والهويّة تعني المقاومة، والقضيّة الفلسطينيَّة ليست قضية أرض مغتصبة، بل قضيّة هوية، فالكل له الحق في الدفاع عن هويته سواء كان في فلسطين أو خارجها، فيما يخص الهوية الدينيّة ووجوب المقاومة.
لكن هناك من يعترض على ذلك بوصف المقاومة تقودهم فكرة أيديولوجية وتجمعهم مصالح سياسية فأين ذهبت عنكم الهوية الإنسانية وحقوق الإنسان في الدفاع عن مظلومية شعب وحقهم بالعيش.
فالمقاومة بحث عن الحرية أو التحرير، اذا كان البعض يطلق على طوفان الاقصى في 7 أكتوبر عام 2023 بالإرهاب، نقول لهم أليس من حقهم التحرر، أليس من حقهم أن يكون لهم وطن بدلاً من تهجيرهم وتشردهم بين البلدان، أليس من حقهم أن تكون لهم هوية، أليس من حقهم أن يكون لهم مسكن، أليس من حقهم المقاومة والدفاع عن
أنفسهم.