جون ستيل
ترجمة: شيماء ميران
قبعة برلين الذهبية، وهي قطعة أثرية يكتنفها الغموض، تأسر المؤرخين وعلماء الآثار. يعتقد أن تاريخ هذه القبعة المخروطية المصنوعة من رقاقة ذهبية واحدة والتي تعود الى العصر البرونزي مهما. اما زخارفها ورموزها المعقدة فتشير لعلاقتها الوطيدة بالمعرفة الفلكية حينها، وقد تكون استخدمت كنظام تقويم معقد. كما تسلط براعة ودقة صانعيها الضوء على مهاراتهم المتقدمة، ما يتركنا منبهرين امام براعتهم.
اُكتشفت القبعة في القرن التاسع عشر، وأصبحت موضوع للدراسة الكثيفة والاعجاب. ناقش العلماء وظيفتها الدقيقة، وتعددت النظريات حولها بدءاً من كونها قطعة اثرية دينية الى أداة للرصد الفلكي. يُعتقد أن رموزها المفصلة التي ترمز الى معلومات حول الدورات القمرية والشمسية تعرض مفهوما مطورا للحركات الفلكية لدى الحضارات القديمة. وبينما تستمر كشف اسرارها، فإنها تمثل شهادة على التراث الثقافي والعلمي الغني لاسلافنا، وتحفزنا لاستكشاف اعماق التاريخ البشري.
أصول القبعة
في العام 1996، حصل متحف “عصور ما قبل التاريخ والتاريخ المبكر- فور أوند فروهجيشيتشت” في برلين على هذه القبعة التي تعد قطعة اثرية فريدة من نوعها وتعود الى العصر البرونزي. ولسوء الحظ، لا يُعرف متى واين تم اكتشافها، لكنها اعطت للمؤرخين وعلماء الاثار رؤى ثمينة عن المعرفة والممارسات المتطورة لمجتمعات العصر البرونزي.
ان السياق التاريخي المحيط بالقبعة مبهر ايضا. فعندما تم تصنيعها قبل ما يقارب 800 سنة قبل الميلاد، خضعت اوروبا لنقلات ثقافية وتكنولوجية مهمة، إذ تُشير نقوشها التفصيلية إلى فهم عميق للدورات الفلكية التي كانت ضرورية للمجتمعات الزراعية التي تعتمد على التغيرات الموسمية الدقيقة. انها بمثابة شهادة على براعة وتطور اسلافنا، وتقدم لمحة عن عالم يتداخل فيه العلم بالطقوس على نحو عميق.
تمثل قبعة برلين شهادة على الحرفية الاستثنائية للعصر البرونزي، إذ صُنعت من رقاقة ذهب واحدة، ومزينة بسلسلة دوائر ونقاط وانماط هندسية معقدة متحدة المركز، وتشير دقة تنفيذ هذه الانماط الى مهارة الحرفيين المتقدمة والفهم العميق لكل من علم المعادن والفلك. اما المواد المستخدمة في صناعتها فتسلط الضوء على اهميتها، فمن المحتمل ان يكون مصدر الذهب هو رواسب الانهار، تم طرقه وتشكيله بدقة بشكل رقاقة رقيقة لكنها سميكة، تطلبت هذه العملية خبرة وقدرا كبيرا من الوقت والجهد. وقد تم اختيار الذهب لقيمته التي تكمن في ندرته وبريقه، وهو ما يؤكد اهمية القبعة. وقد يشير ذلك الى استخدامها لاسباب احتفالية وطقوسية. وما يجعلها قطعة اثرية رائعة هو الجمع بين الحرفية الماهرة ومواد عالية الجودة، فضلا عن ما تقدمه من رؤى مهمة عن الانجازات التكنولوجية والثقافية لصانعيها.
واعتقد انها كانت لها اغراض رمزية وعملية مهمة، إذ يقترح العلماء انها بمثابة نظام تقويم متطور استخدمه علماء الفلك لتتبع الدورات القمرية والشمسية، وذلك لوجود الانماط والرموز التفصيلية المحفورة عليها والتي تتلاءم مع الملاحظات الفلكية.
المعارض التي عرضتها
الى جانب تطبيقاتها العملية، قد يكون لها أهمية ثقافية ودينية كبيرة. لربما كانت جزءا من طقوس مهمة ترمز الى الارتباط بالإله. يؤكد الازدواج بين الوظيفة والرمز مدى تعقيد وبراعة المجتمعات التي ابتكرت مثل هكذا قطع اثرية نادرة.
لقد أسرت هذه القطعة الاثرية الفريدة من نوعها القلوب منذ اكتشافها وجذبتها لالقاء النظرة عليها، وخاصة تصميمها المعقد واصولها الغامضة بما يجعلها قطعة تحتل مركز الصدارة لأي معرض. وفضلا عن جماليتها، تعد القبعة أداة تعليمية، إذ توفر نظرة ثاقبة للمعرفة الفلكية للحضارات القديمة، وغالبا ما يقوم القائمون على المعرض بعرض معلومات تفصيلية عنها، لدرجة تثري تجربة الزائر.
تجذب القبعة عشاق التاريخ والمهتمين بالانجازات العلمية والمبكرة. ويكشف عن تصميمها المعقد والمعلومات التقويمية التفصيلية عن مجتمع مرتبط ارتباط وثيق بالتعبير الفنية والملاحظة العلمية. ولا تسلط هذه القبعة الضوء على التقدم التكنولوجي لعصرها فحسب، بل تعطي لمحة عن ثقافة وروحية مبتكريها.
لا تزال قبعة برلين الذهبية تأسر المؤرخين وعلماء الاثار وعامة الناس. واثار اكتشافها الكثير من الدراسات والمناقشات، ما أثرى فهمنا للحضارات الاوروبية القديمة، كونها رمزا للابداع والفضول البشري، وتظل جزءا مهما من التراث، وتذكر بسعي الاسلاف الى المعرفة والمعنى.
عن ذا فينتج نيوز