سيف داود: تكويناتٌ متمردة

منصة 2024/10/16
...

 أحمد عساف

 ابتكر الفنان سيف داود في معرضه الذي افتتح مؤخرا في صالة الشعب في دمشق أسلوباً حداثوياً، مستفيداً من تجاربه الحياتية والفنية في أوروبا، حيث الاشتغال في كثير من الأحيان على ما بعد الحداثة بعناية فائقة على فكرة اللوحة وألوانها وموضوعاتها.
وضم "تكوينات متمردة" 17 لوحة بأحجام كبيرة بألوان "الأكرليك" على القماش. ولا يطرح لوحته في معرضه هذا أو غيره، إلا عبر الفكر والموضوع والمقولة، هذه المقولات والاشتغالات لم تأت على حساب اللوحة، من حيث بنية جماليات روحها، ودلالات ألوانها الذاهبة عميقاً في وجدان البياض.
ويقول الفنان: أحاول الذهاب إلى بياض اللوحة من دون أن أكون قد خططت مسبقا لطرح فكرة ما.
في هذا المعرض قدم الفنان رؤى تجربة ثرة أفنى فيها العديد من أعوام عمره وراء البحث عن سبل ووسائل تطرح لمحات، وخبرات للمشهد التشكيلي السوري والعربي. فثمة أسى يكاد أن يطفو على وجوه وملامح شخوص لوحاته، تلك الألوان المدججة بالتفاؤل والإشراق القادم من فضاء لا مرئي، يمنح طاقة إيجابية مفعمة بالأمل، لتنعكس بدورها على احساس المتلقي.        
إن شخوص لوحاته القادمة من المدائن الموغلة في البعد، وفي سرمد العتمة، تقدم أحزانها وانكساراتها بألوان بهيجة، وكأن الحزن عنده يخبئ كل تلك الألوان المتوهجة التي تتمرد على السواد.. الذي ما زال أميراً للحزن في حياتنا كشرقيين.
في أعمال سيف كثيرا ما يحتل الأصفر سيادة اللون على الأسود، وكأنه يحاول إزاحته بكثير من الاحترام، فقد قاد المآقي لمزيد من الدمع الوقور، لحزن خصب.  شخصيات الفنان منسجمة مع بعضها البعض، حتى في الابتعاد وإن حدث ذلك كفاصل لوني افتعله "تكنيك" فني نفسي ووظفه كحالة إنسانية عشيقة النور، وكل ذاك الاصفرار الموغل في أزلية العشق والهيام والوله.
أيضاً ثمة لوحة يتيمة، فيها أربع شخصيات، جمعهما إطار واحد، هم في حالة اغتراب، فليس هناك ما يجمعهما سوى هواء يعبر وجوههم بأسى ويمضي. هم بشر من لحم ودم، عايشهم الفنان في اغترابه الذي اختاره، والذي لم يحدث له حالة قطيعة مع بلده الأم سوريا.  
لا يمكن لمتابع سيف داود في هذا المعرض، أن يصفه انطباعياً أو تعبيرياً أو واقعياً، وأن بدت بالظهور ولو قليلاً بعض المؤثرات السوريالية.
ويقول الفنان عن سبب "تكوينات متمردة": عانيت مع بعض شخصيات لوحاتي، وكثيرا ما أحسست بممارسة سلطاني الإبداعي عليها، كمبتكر لها ولمسارها على البياض، حتى على سكناها على جدار ما. لذلك قررت في هذا المعرض أن أسمح لها، ولو بقليل من التمرد عليّ أن أحبت. وربما في تمردها حالة شغف كنت أسعى إليها. ووجدت فرصتي في هذا المعرض.