كاظم غيلان
لا أظن يوماً يمرُّ في العراق من دون مهرجانٍ شعريٍ هنا أو هناك، اتحادات، روابط، جمعيات، بمراكزها وفروعها في مدن العراق تقيمُ المهرجانات الشعريَّة هذه، بتمويلٍ ورعاية مضمونتين، ولربما يمتاز العراق بهذه الظاهرة عن سائر بلدان الدنيا
كلها.
إنَّها ظاهرة تستدعي الكثير من الأسئلة، مثلما تخضع للكثير من التأويلات.
المهرجانات معظمها أخذت طابعاً استعراضياً تؤكد من خلاله هذه المنظمات فاعليتها ونشاطها وتستقطب العديد من الطاقات، لكن هذا لا يعني خلوّها من أغراضٍ انتخابيَّة أيضاً، ولربما كسب المزيد من الموالين لهذا النقابي أو ذاك، ولربما أيضاً هناك مشروعيَّة لأصحاب هذه النوايا إذا ما عرفنا بأنَّ هناك لهاثاً واضحاً للتمسك بالمواقع النقابيَّة أو المسؤوليات بعد أنْ انتقلت الكثير من طموحات أهل السياسة للصف الثقافي.
المشاركة في هذه المهرجانات حقٌّ مشروعٌ جداً، لا سيما الطاقات المبتدئة الطموحة التي تجد فيها فرصة لترسيخ وجودها وحفر أسمائها، ولربما البعض يجد فيها فرصة لتناول مشاركته نقدياً وبروز تجربته إعلامياً.
السؤال الذي يلحُّ على كل راصدٍ لهذه الكثرة من المهرجانات هو:
سمعنا الأصوات.. لكنَّنا نبحث عن الصدى.
هذا سؤالٌ نقديٌّ يكشف عن الجدوى واللاجدوى، ولربما يفضح النوايا أيضاً، الحسنة منها والمريضة أيضاً.
الحسنة تلك التي تكشف عن طاقات إبداعيَّة تحتاج لرعاية ونقدٍ تقويمي من شأنه أنْ ينهضَ بها وهذا سيحسب للجهة القائمة.
أما السيئة فهي تلك التي تُكرَّسُ لاصطياد أبواقٍ لها تروج لأفكار أصحابها ونزعاتهم البعيدة عن جوهر الإبداع كالطائفيَّة والعشائريَّة والمناطقيَّة، وهناك الأخطر من هذا الثلاثي ألا وهي النقابيَّة. وهذه جميعها تعدُّ وتقدم أجيالاً مشوَّهة من شأنها أنْ تهدمَ وتدمّرَ قيم الثقافة الحقيقيَّة وتسهمَ بإزاحة كل ما هو جوهريٌّ نبيلٌ ليحلّ مكانه كل ما هو هامشي
رديء.
بعض المهرجانات لاحقتها شبهات فسادٍ ماليٍ أفرغها من محتواها الإبداعي وأحالها لمنظومة خرابٍ أثقل كاهل العراق ولربما نتذكر ما حصل لمشروع بغداد عاصمة الثقافة في العام 2014.
المهرجان الشعري في كل الأحوال فعاليَّة صوتيَّة، لكننا نبحث عن الصدى.
في الصدى وحده نكتشف الصحة والاعتلال معاً.
أليس كذلك؟