على سرّ أبيها!

الصفحة الاخيرة 2019/06/24
...

 جواد علي كسّار
أمضيتُ أخيراً أياماً في إيران كان من بين مغانمها المعرفية، حصولي على ملف لمذكرات فائزة هاشمي رفسنجاني، يضمّ معلومات تُنشر للمرّة الأولى عن خفايا الانتخابات الرئاسية لسنة 1997م، هذه الانتخابات التي حملت محمد خاتمي إلى الرئاسة.
الملمون بالشأن الإيراني يعرفون قصة مذكرات هاشمي رفسنجاني، فقد دأب الرئيس الأسبق ورجل كلّ المراحل على تدوين يومياته عن أهمّ وقائع البلد، منذ سنة 1980م حتى وفاته مطلع عام 2017م، بواقع مجلد ضخم لكلّ سنة. معنى هذا بلغة الأرقام، أننا أمام (37) مجلداً من يوميات هاشمي رفسنجاني ومذكراته، بخطّ يده، صدر منها للآن وعلى نحو متسلسل (17) مجلداً، والبقية في طور الإعداد للنشر.
هذا عن هاشمي رفسنجاني، لكن يبدو «إن فرخ البطّ عوّام» فقد سارت على النهج ذاته، ابنته المثيرة للضجيج والجدل فائزة، من دون إخوانها الثلاثة محسن وياسر ومهدي، وأختها فاطمة، ووالدتها السيدة عفّت التي لها مكانة متميّزة في حياة هاشمي وأسرته. لستُ أدري للآن إلى أي مدى جاءت تجربة فائزة في هذه المذكرات، من حيث الامتداد الزمني، وطبيعة المادّة، لكن الأنموذج الذي نُشر لهذه اليوميات الشهر الماضي، يُغري بالكثير من حيث كثافة المادّة وأهمية المعلومات التي حواها، ففي نهاية المطاف نحن نتحدّث عن أنشطة عضو في أسرة هاشمي من بين أولاده الخمسة، وأكثرهم إثارة وراديكالية، بدءاً من اعتزالها للجوّ الثوري العام، وجنوحها إلى فلسفة والد زوجها السيد لا هوتي في نقد النظام، ثمّ تحوّلها بعد ذلك إلى ناشطة بارزة في شؤون المرأة الإيرانية، لاسيّما رياضة النساء، وجرأتها في هذا المجال حين ظهرت لها صورة في الصحافة وهي تركب دراجة هوائية، ما دفعها لتحصد أعلى أصوات العاصمة طهران في الدورة الخامسة من الانتخابات النيابية، بعد رئيس المجلس ناطق نوري، منتقلة بعد ذلك إلى دور متميّز في إدارة الحملة الانتخابية لمحمد خاتمي، إلى جوار مجموعة بارزة من المقربين إلى والدها الرئيس، ضمن مجموعة حزب «كاركزاران» (كوادر البناء) ثمّ زعلها ومقاطعتها للعمل السياسي ومغادرتها إلى لندن، بعد فشلها في تمديد مقعدها النيابي في انتخابات الدورة السادسة لمجلس النوّاب، بالتزامن مع فشلٍ موازٍ لوالدها في الانتخابات نفسها، على النحو الذي سجّلت بمذكراتها هذه، عتاباً قاسياً لشعبها، لأنه لم يقدّر ما قدّمته له!.
من المؤكد عندي أن هذه المذكرات تكتسب أهمية مضاعفة، من المعلومات الهائلة التي تضمّنتها عن أسرتها، وبالأخص مواقف والدها. ففائزة ليست هاشمي رفسنجاني من حيث الكياسة والحكمة والتجربة والاتزان، هي شخصية انفعالية، تجربتها في السياسة بسيطة، لا تستند إلى خلفية معرفية، أو دراية اجتماعية. لذلك كله تسوق قدراً كبيراً من المعلومات من دون تحفّظ، خاصة وهي تنشر هذه اليوميات، بعد وفاة والدها وضعف رقابة والدتها عليها، لتقدّم سنّها.
تمرّ في هذه المذكرات على معلومات من بينها، أن والدها لم يكن يرغب بوصول خاتمي إلى الرئاسة لأنه يعتقد بأنه رهينة بيد اليسار، بل كان يرغب بوصول حبيبي، ثمّ تكيل نقداً قاسياً لليسار على لسانها مرّة وعلى لسان والدها مرّات، لتكشف في هذا الجزء من المذكرات الغطاء عن واحدة من أهم وقائع إيران السياسية!.