سايكولوجيا التشبُّه بالمشاهير

منصة 2024/10/17
...

نقصدُ بالمشاهير هنا ليس نجوم الرياضة والسياسة، بل (الفنانين، المطربين والممثلين) تحديداً، لدرجة أنَّ كثيراً من المعجبات صعدن الى المسرح لمعانقة المطرب كاظم الساهر، وهناك شابٌ عراقيٌّ يتقمصُ شخصيَّة كاظم. 

ويتساءل كثيرون:

* هل هو تقليدٌ أم هوسٌ نفسي؟

* وهل هناك فرقٌ في تقليد فنانٍ معينٍ وتقمص شخصيته؟

نجيب على ذلك بالآتي:

هناك حالتان شائعتان في التشبه بمشاهير الفنانين هما (التقليد) و(التقمّص)، ومع أنهما نفسيتان، إلا أنهما مختلفتان تماماً. فالتقليد عمليَّة نفسيَّة شعوريَّة، بمعنى أنَّ الذي يقلّد الممثل عادل إمام أو المطرب كاظم الساهر، يدرك أنه يقوم بتقليده، بينما التقمص عمليَّة نفسيَّة لا شعوريَّة، بمعنى أنَّه تقمص شخصيَّة عادل إمام أو كاظم الساهر ولا يدرك لماذا قام بذلك.

سايكولوجياً، يصنّف (التقمص) بأنه إحدى الآليات اللاشعوريَّة النفسيَّة التي تدفع الفرد الى أخذ سلوكٍ معينٍ أو صفة محددة، أو أكثر، من شخصيَّة فنانٍ مشهورٍ ليكون شبيهاً به. بمعنى أنَّ هذا الفرد يسعى الى أنْ يجعل من نفسه على صورة غيره بعمليَّة لا شعوريَّة ليجد نفسه قد طبّق سلوك أو أداء (الغناء مثلاً) وصار مثله، بينما الشخص المصاب بالهوس يعيش في حلمٍ ويمتلئ بالأوهام.

ومن أشهر وقائع الهوس تلك التي تعرضت لها "كوكب الشرق" أم كلثوم على مسرح الأولمبيا في باريس عام 1967 لحظة فوجئت بمعجبٍ منتشٍ من أدائها قصيدة الأطلال يصعد إلى المسرح محاولاً تقبيل قدميها، لتسحبها أم كلثوم بعفويَّة شديدة وبسرعة كبيرة رافضة هذا التصرف لتسقط أمام الجمهور، وتلتقط لها صورة شهيرة في هذا الوضع الذي تسبب فيه هوس المعجب.

ولك أنْ تسأل: هل أنَّ هذه العمليَّة النفسيَّة تمنح الفرد المتقمص القوة الحقيقيَّة بأنْ يكون شخصاً آخر من حيث لا يدري؟ أم أنَّ العمليَّة هي اصطناعٌ لموقفٍ أو لحالة ينتهي حين يدرك أو ينتبه لما يفعل.

الجواب: نعم، في حالة التقليد يدرك أنَّ ما يقوم به أنه (تصنع)، بينما لا يحدث الإدراك ذاته في حالة التقمص.

ومع ذلك فإنَّ عدداً من الأسباب النفسيَّة للتقليد هي نفسها في التقمص، إذ يرجع الباحثون أسباب التقليد الى طريقة للتعويض عن الشعور بالنقص، أو ضعف الثقة بالنفس ومحاولة استعادتها عن طريق الشهرة والجاذبيَّة، أو شعور الفرد بالعزلة الاجتماعيَّة والوحدة النفسيَّة.

غير أنَّ هذه الأسباب تكون أشدَّ في حالة التقمص، مضافاً لها أنَّ القائم بعمليَّة التقمص قد يكون مصاباً باضطراب الشخصيَّة النرجسيَّة في أهم عرضين فيها:

* الحاجة الى الحصول على الاهتمام المستمر والإعجاب، واستغلال الآخرين لتحقيق الأهداف الخاصة.

أو اضطراب الشخصيَّة الحديَّة في أهم عرضين فيها:

* الخوف الشديد من الوحدة والهجر ، والشعور الدائم بانعدام القيمة.

والخطر لا يكمن في عمليَّة التقليد بل في عمليَّة التقمص، حين يصل المتقمص الى حالة التوحد التام بكامل شخصيَّة الفنان: أفكارها، انفعالاتها، ما تحب وما تكره، معاناتها حين تمرض، وإقدامه على الانتحار لحظة سماعه بموت هذا الفنان!، شاهد على ذلك أنَّ الفتاة المصريَّة (أميمة عبد الوهاب – 21 سنة) قفزت من الدور السابع لحظة سماعها بوفاة عبد الحليم حافظ.