أقدم مخطوطة قرآنيَّة في جامعة برمنغهام

بانوراما 2024/10/20
...

 ترجمة: مي اسماعيل

أثبت الفحص العلمي الدقيق تاريخ ما بات الآن يعد من أقدم النسخ المكتوبة من القرآن الكريم، المحفوظة بجامعة برمنغهام البريطانية. وكشفت تقنية تحليل الكاربون المشع أن عمر المخطوطة يقرب من 1370 عاماً؛ ما جعلها من بين أوائل المخطوطات الموجودة.  بقيت تلك المخطوطة محفوظة في مكتبة الجامعة من دون أن يجري التعرُّف عليها لنحو قرن من الزمن. يقول خبير المخطوطات بالمكتبة البريطانية د. محمد عيسى والي" إن هذا "الاكتشاف المثير" سيجعل المسلمين "يبتهجون" بهذا الكشف، إذ كانت المخطوطة محفوظة ضمن مجموعة من الكتب والوثائق التي تعود لمنطقة الشرق الأوسط، من دون أن يجري التعرف عليها بوصفها واحدة من أقدم نسخ القرآن في العالم.

حينما قام أحد الباحثين بالجامعة بدراسة معمقة للمخطوطة، استقر الرأي على البدء ببحوثٍ أكثر دقة بإجراء اختبار تحديد التاريخ بالكاربون المشع وكانت النتائج "مذهلة". وقالت د. "سوزان وورال" مديرة المجموعات الخاصة بجامعة برمنغهام أن الباحثين لم يتوقعوا "في أبعد أحلامهم" أن تاريخ المخطوطة قديم إلى ذلك الحد، ومضت تقول: "كان أمراً مذهلاً بأن نجد لدينا أقدم مخطوطة للقرآن في العالم". فقد أجريت الاختبارات في وحدة تسريع الكاربون المشع بجامعة أكسفورد، وأظهرت أن المخطوطة المكتوبة على جلد الماعز أو الخراف، كانت من بين أقدم النسخ القديمة المتبقية للقرآن. وقدمت الاختبارات نطاقاً من التواريخ التي توضح أنه، وباحتمال يزيد على 95 بالمئة، أن عمر ذلك الرق يعود للفترة بين سنوات 568 و645 للميلاد.. وهو ما يُعلّق عليه "ديفيد توماس" بروفيسور دراسات المسيحية والإسلام في الجامعة قائلاً: "قد يأخذنا هذا التاريخ فعلياً إلى بضع سنوات من نشأة الإسلام؛ فوفقاً للتاريخ الإسلامي تلقى الرسول محمد(ص) وحي القرآن  بين عامي 610 و 632 للميلاد؛ وهي سنة وفاته". ومضى البروفيسور توماس قائلاً: إن تحديد تاريخ المخطوطة يعني احتمالية أن الكاتب الذي دوّن نص القرآن ذاك قد كان حياً خلال فترة وجود الرسول محمد(ص) وعلى معرفة جيدة به، ولعله قد سمع خُطبه..

شاهد مباشر
يقول البروفيسور توماس إن بعض آيات القرآن جرى تدوينها على الرق والحجر وأوراق النخيل، وعلى عظام كتف الإبل، وإن النسخة النهائية التي ظهرت على شكل كتاب انتهت نحو العام 650 ميلادي. ومضى يقول: "إن الأجزاء من القرآن المكتوبة في هذا المخطوط يمكن إرجاعها، بقدر جيد من الموثوقية؛ الى نحو عقدين بعد وفاة الرسول "محمد". تلك الأجزاء كانت على الأغلب أقرب ما يمكن الى شكل القرآن الذي تجري قراءته في يومنا هذا، ما يعزز الرأي القائل أن النص قد مرَّ بتغييرات قليلة أو معدومة، وأنه يمكن إرجاع تأريخه إلى نقطة قريبة جداً من الوقت الذي يُعتقد أنه تم الكشف عنه". كما إن نص هذه المخطوطة مكتوب بالخط الحجازي، وهو من أقدم أنماط الخط العربي.
لأن تحديد التاريخ باستخدام تقنية فحص الكاربون المشع يُقدم مساحة من التواريخ المحتملة، فمن الممكن القول أن هناك عدداً من المخطوطات اأخرى في مجموعات خاصة وعامة، تتداخل في تواريخ كتابتها. وهذا قد يجعل من المستحيل أحياناً تحديد أيها بالفعل هو الأقدم قطعياً. لكن آخر ما حددته فحوصات مخطوطة جامعة برمنغهام؛ أي سنة 645؛ يضع هذه المخطوطة من بين الأقدم جداً.

{الأثر الناجي الثمين}
يقول د. "والي" القيّم على مثل هذه المخطوطات في المكتبة البريطانية، إن "هاتين الصحيفتين المكتوبتين بخط حجازي جميل ومقروء بشكل مدهش، يعود تاريخهما بالتأكيد إلى زمن الخلفاء الثلاثة الأوائل". أي إلى سنوات 632- 656 ميلادية؛ ومضى الدكتور والي قائلاً: إن نسخ القرآن التي تُعتبر "نسخة نهائية" جرى توزيعها بين المسلمين: "لم يكن المجتمع الاسلامي حينها ثرياً بما يكفي لتجميع جلود الحيوانات لعدة عقود؛ إذ إن إنتاج نسخة كاملة من المصحف يتطلب الكثير من تلك الجلود". ويرى "والي" أن الصفحات المخطوطة التي عثرت عليها جامعة برمنغهام تمثل "أثراً ناجياً ثميناً" لنسخة من حقبة متقدمة وربما أكثر تقدماً مما كان الاعتقاد عنه سائداً.
تتألف مخطوطة برمنغهام للقرآن من ورقة واحدة من الرق كتبت عليها صفحتان من مخطوطة قرآنية قديمة، تضم الآيات 17-31 من السورة الثامنة عشرة، الكهف على الصفحة الأولى، بينما تحتوي الصفحة الأخرى على الآيات الثماني الأخيرة 91-98 من السورة التاسعة عشرة، مريم، وأول أربعين آية من السورة العشرين، طه. وتؤكد المخطوطة التسلسل الحالي لترتيب للسور، وتتوافق مع النص المشهور. هذا المخطوط جزءٌ من مجموعة "منغانا-Mingana" التي تضم أكثر من ثلاثة آلاف وثيقة من الشرق الأوسط، جمعها "ألفونس منغانا" خلال عشرينيات القرن الماضي؛ وهو كاهن كلداني ولد بالقرب من مدينة الموصل شمال العراق. وكان منغانا قد حصل على تمويل من "أدوارد كادبري-Edward Cadbury" لإجراء رحلاتٍ الى الشرق الأوسط وجمع
المقتنيات.
بي بي سي البريطانية