المدن الصناعيَّة.. بوابات لإنعاش الاقتصاد وتطوره

ريبورتاج 2019/06/24
...

بغداد/ فجر محمد
المدن الصناعية هي من المشاريع المهمة التي تسهم بشكل كبير بالنهوض بالاقتصاد، فضلاً عن الارتقاء بالمنتوج الوطني لما توفره من بنى تحتية وظروف مناسبة تؤدي الى ظهور منتجات ترتقي الى المستوى المطلوب، كما انها تقلل من البطالة وتوفر فرص عمل متنوعة للشباب.
ويقول الناطق باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي: «ان مشروع المدن الصناعية من المشاريع الفتية الذي اقر قبل فترة قصيرة، اذ لم يمض عليه سوى شهر واحد، وتم تحديد المحافظات التي ستنشأ فيها تلك المدن وهي بغداد والبصرة والانبار والموصل والنجف، فضلاً عن مدن اخرى سيتم اختيارها من قبل الجهات ذات العلاقة، ومن المهم ان تتوفر بيئة مناسبة للمستثمرين، سواء كانوا محليين ام اجانب، كذلك قامت الجهات ذات العلاقة بمحاولة لاشراك القطاع الخاص في الاستثمار وهذا ما اكدت عليه الخطة الخمسية التي وضعت لغاية عام 2022، كما ان هذا القطاع يعد شريكاً في البناء التنموي للبلد، لذا وجب ادخاله في هكذا نوع من المشاريع».
موضحاً انه من الضروري ان توفر للمنطقة الصناعية بيئة متكاملة لكي ترفد الاقتصاد بالمشاريع الزراعية والصناعية والمجالات الاخرى، ومن هذه المقومات توفير طرق نقل سالكة وتجهيز المدن بالطاقة الكهربائية، وفي ما يتعلق بالبيئة فهي تعد احد المرتكزات الاساسية التي تسعى اليها الجهات المختصة، اذ تعمل على حمايتها ومحاولة تقليل الملوثات الناجمة عن الصناعة، لذا تم ادراج هذه القضايا في خطة التنمية، اذ وقع الاختيار على مساحات في اماكن بعيدة عن مراكز المدن كي لا تؤثر في بيئتها.
 
قانون المدينة
اقر مجلس النواب في ايار الماضي قانوناً يشرع انشاء المدينة الصناعية، والمباشرة بالتشغيل داخلها ، وحث القانون على إعداد وتحديث خطة تطوير المدينة بما يتفق مع الوثائق الفنية الملحقة مع طلب الإجازة  وكذلك تشييد الأصول الثابتة داخل المدينة الصناعية بما في ذلك البنى التحتية وفقا للإجازة الصادرة، والإشراف على تطوير البنية التحتية خارج المدينة الصناعية بالتنسيق مع المؤسسات المعنية ،و تقديم تقرير نصف سنوي إلى الهيئة يتضمن الاستثمارات المقامة في المدينة و المتوقعة خلال السنة القادمة والاراضي التي تم تطويرها ضمن المدن وجميع الأصول الثابتة المقامة فيها واي معلومات أخرى تجد الهيئة ضرورة بتقديمها، فضلا عن الامتثال لمتطلبات الأداء المحددة بموجب الإجازة الصادرة والعقود المبرمة مع الهيئة بهذا الشأن وكذلك التدريب الفني للعاملين العراقيين.
 
الاسكندريَّة الصناعيَّة
كانت البلاد تحتوي على مدن صناعية حيوية ومن اهمها الاسكندرية التابعة لقضاء المسيب، اذ احتوت على منشآت لصناعة السيارات و الصناعات الميكانيكية، وكذلك المحطة الحرارية لتوليد الطاقة الكهربائية، (وهي ثاني أكبر محطة توليد للطاقة الكهربائية في العراق)، ومنشأة حطين العامة (التي تم تفكيكها بعد  2003 إذ كانت تستخدم لأغراض التصنيع العسكري)، فضلاً عن حطين الغازية لتوليد الطاقة الكهربائية، وكانت هذه المدينة تعد احد الموارد الاقتصادية المهمة.
 
تغييرات المناخ
الناشط والخبير بالشؤون البيئية احمد صالح اكد  ان الشغل الشاغل للناشطين البيئيين حول العالم اليوم وبالتحديد في اوروبا هو استخدام مواد صديقة للبيئة، على الرغم من ذلك فان تولد الملوثات التي تؤثر في المناخ المحلي بشكل كبير مازال مستمراً، ولكن هناك محددات مقبولة ونسباً معينة، بحيث لا تضر البيئة بشكل كبير لاحقاً، وفي اوروبا تنتشر مجاميع هدفها الحفاظ على البيئة وتقليل التلوث الحاصل فيها، على العكس منها في اميركا التي تعد ملوثاً كبيراً لبيئتها ومن حولها، اذ اثرت في الغابات والمواقع النباتية والحيوانية .
ويشير الخبير البيئي الى وجود العديد من التجارب الايجابية الخاصة بالمدن الصناعية والحفاظ على المناخ وتقليل التلوث لابد من الاستفادة منها وتطبيقها على ارض الواقع، لكن في حال تم انشاء هذه المدن في اماكن زراعية ووضعت قطع الكونكريت عوضاً عن النباتات، فهذا من شأنه التأثير في المناخ والاسهام في رفع درجات الحرارة بمعدل اعلى من معدلاتها الطبيعية.
لافتاً الى وجود هذا النوع من المشاكل في محافظة ميسان، اذ تأثرت بشكل كبير بسبب المنشآت النفطية الموجودة، فضلاً عن البصرة التي تخيم على سمائها غيوم سوداء محملة بثاني اوكسيد الكاربون، وهذا اثر في الحيوانات فعلى سبيل المثال الطيور غيرت مسارها ولم تعد تفضل المكوث في مناطقها المعتادة، فضلاً عن الحشرات التي قلت اعدادها بشكل واضح، لذلك من المهم ايلاء البيئة الاولوية اثناء القيام بهذا النوع من المشاريع.
 
أنظمة عالميَّة 
تبين التقارير الاعلامية ان المدن الصناعية ظهرت بعد التطور الكامل للرأسمالية الصناعية في الدول القومية الأساسية للنظام العالمي في أواخر القرن الثامن عشر، اذ أصبحت المدينة مركزاً لعمليات الإنتاج هذه وموقعاً للمصانع التي تنتج فيها مختلف البضائع والسلع، لذلك اولت الدول المتقدمة اهتماماً كبيراً بهذا النوع من المدن لايمانها بأهميتها وقدرتها على الدفع بعجلة الاقتصاد بشكل كبير.
 
فرص عمل
الاكاديمي في الجامعة المستنصرية الدكتور فالح الزبيدي اشار الى ان اهمية المدن الصناعية تكمن في امكانيتها في التقليل من البطالة وتوفير فرص عمل للشباب، ، وهذا النوع من المدن لا يعني وجود ورش صغيرة لتصليح السيارات، بل مصانع كبيرة ومتنوعة وعلى سبيل المثال هناك منطقة الوزيرية الصناعية التي تعد مدينة مصغرة لاحتوائها على مصانع سيارات وبطاريات، فضلاً عن مصانع خاصة توفر فرص عمل وتستفيد من الخبرات الموجودة بمجال الصناعة.
كما ان انشاء المدن الصناعية يسهم بايجاد بيئة جديدة ومختلفة اقتصادياً واجتماعياً، اذ تحتاج هذه المناطق الى شوارع جديدة ومدارس ومراكز صحية للعاملين فيها، فضلاً عن زيادتها لدخل المواطن والدولة، فعوضاً عن تصدير مواد خام كالكبريت الى الخارج يتم استغلاله في الصناعة.
 
حماية الاستثمار
ويبين الزبيدي ان زيادة الايرادات من شأنها ان تنهض بالاقتصاد، ويكسب العاملون في هذه المدن المزيد من الخبرات من خلال التواصل مع الخبراء في مجال الصناعة الذين من المهم ان تتم الاستفادة من معلوماتهم وما يمتلكونه من خبرة، ومن الضروري ان يتم ايجاد عوامل جذب للخبرات الاجنبية، فضلاً عن المستثمرين الاجانب والمحليين.
علماً انه لا يمكن ان تنهض الصناعة مالم يتم توفير الخدمات الاساسية لها كالكهرباء التي تدخل في صلب عمل المصانع والمعدات والمكائن، فضلاً عن اعادة النظر بالسياسة النقدية، لاسيما القروض ومنح المصانع الفتية المدة الزمنية الكفيلة بنجاحها ثم مطالبتها بسداد ما عليها من ديون.
ومن الملاحظ ان الاستثمار في بغداد يتجه الى المولات والمطاعم وهذا امر غير صحيح، لانه يحول افراد المجتمع الى مستهلكين عوضاً عن منتجين، فمن المهم ان يكون هناك اهتمام اكبر بانتاج سلع وبضائع مهمة ترفد الاقتصاد الوطني وتكون صالحة للتصدير، ومن الجدير بالذكر ان سياسة الباب المفتوح على المنتوجات المختلفة ادت الى ضرب الصناعة الوطنية بشكل كبير، لذلك لابد من وجود قانون يحمي المنتجات الوطنية على غرار القوانين العالمية لكي يخرج العراق من خانة البلدان النامية ويصبح بمصاف الدول المهمة كماليزيا والصين التي تمكنت من النهوض بواقعها الاقتصادي فهي اليوم تنافس اكبر دول العالم وهي الولايات المتحدة الاميركية اذ تخوض حرباً اقتصادية ضدها، فالصين تحتضن جميع الصناعات خصوصاً المهمة والحيوية.
وكذلك لابد من تشريع قوانين تحمي المستثمر ورؤوس الاموال وتجذبهما، علماً ان هناك آلافاً من المشاريع الصناعية برؤوس اموال عراقية تستثمر في الخليج وسوريا والاردن ومختلف دول العالم من المهم ان تستثمر بالداخل عوضاً عن خارج البلاد.