مايا كارلن
ترجمة: أنيس الصفار
حاملات الطائرات التابعة للبحريَّة الأميركيَّة، لا سيما تلك التي تنتمي الى فئة "نمتز"، سفن جبارة ذات تصميمٍ خاصٍ يمكنها من تحمل الضربات بمرونة عالية مع إبداء مظاهر السطوة والقوة.
بمسطح طيرانها الذي تعادل مساحته مساحة أربعة ملاعب لكرة القدم، تقل هذه الحاملات ما يسمى "جناح طيران الحاملة" (جناح طيران الحاملة هو تشكيل جوي بحري عملياتي يتألف من عدة أسراب من الطائرات ومفارز من طائرات أخرى متعددة الأنواع، منها ثابتة الجناح وأخرى ذات جناح
دوّار.
الأسراب المتنوعة التابعة لجناح طيران الحاملة تكون منظمة ومجهزة ومدربة لتنفيذ مهام جويَّة مختلفة متممة لبعضها البعض، وهي التي تؤمن معظم قدرات الضرب وممارسة أساليب الحرب الالكترونيَّة التي تطلبها منها المجموعة القتاليَّة المرافقة لحاملة الطائرات –
المترجم).
تحاط الحاملة أيضاً بالحماية التي توفرها لها مجموعة بحريَّة ضاربة مرافقة مؤلفة من الغواصات والطرادات والمدمرات المجهزة بأنظمة صاروخيَّة ودفاعيَّة متقدمة. لهذه الأسباب ينبغي تثبيت النقاط الآتية:
1. حتى في حالة نجاح صاروخ أو طائرة معاديين في اختراق هذه الدفاعات كلها فإنَّ حاملات الطائرات تبنى من صفائح فولاذيَّة سميكة وتقسم الى حجرات منيعة ضد الماء قادرة على تحمل الأضرار.
2. اثبتت الاختبارات التي أجريت في العام 2005 على حاملة الطائرات "يو أس أس أميركا"، التي أخرجت من الخدمة، أن لهذه السفن قدرة فائقة على الصمود والتحمل، الأمر الذي يبرز حجم التحدّي المتمثل بمحاولة إغراق
حاملة طائرات حديثة.
3. حاملات الطائرات التابعة للبحريَّة الأميركيَّة وحوش عملاقة، ومعظم الحاملات العاملة اليوم تنتمي الى فئة "نمتز" التي يفوق طولها 300 متر ويتجاوز تعداد طاقمها 5000 بحار.
ما الذي يجعل حاملات الطائرات الأميركيَّة تصمد لأقسى المعارك؟
على متن حاملة الطائرات تجثم القوة المسماة "جناح طيران الحاملة"، وهذه القوة هي المبرر أساساً لوجود الحاملة. يتألف هذا الجناح من أكثر من 40 مقاتلة هجوميَّة، فضلاً عن حشدٍ من طائرات المساندة الأخرى.
تحفظ هذه الطائرات وتطلق ثم تستعاد على مسطح الطيران الذي تتعدى مساحته 18200 مترٍ مربعٍ، أي ما يعادل أربعة ملاعب لكرة القدم كما أسلفنا.
هذا كله يرتقي بحاملات الطائرات الى مقام اعتبارها رصيداً أساسياً، فالحاملات هي الوسيلة الرئيسة لدى البحريَّة لفرض مظاهر الهيبة والسطوة، والخصوم يدركون هذا. لقد كانت الحاملات دائماً هدفاً رئيساً منذ أول تربعها في موقع الهيمنة خلال الحرب العالميَّة الثانية، ولكن ليس من السهل إغراقها.
كيف تصمم حاملات الطائرات؟
لإغراق حاملة طائرات تابعة للبحريَّة ينبغي أولاً على السفينة أو الطائرة أو القذيفة المعادية أنْ تقتربَ منها الى مسافة كافية، لكن الحاملات تكون محاطة بالحماية من قبل أجنحتها الجويَّة لمسافة تمتدُّ مئات الأميال في كل اتجاه. كذلك فإنَّ المجموعة الضاربة المرافقة للحاملة، من غواصات وطرادات ومدمرات، تؤمن قوة مصاحبة ذات قدرة على اعتراض الصواريخ والقذائف والطائرات المقبلة نحوها.
فصفوف الدفاعات "أيجز" المنصوبة على متن المدمرات من فئة "آرلي بارك" والطرادات من فئة "تيكونديروغا" لديها القدرة على رصد وتعقب عدة أهداف والاشتباك معها بمدافعها من عيار 5 إنج وصواريخها ونظام الأسلحة المعروف باسم "فالانكس كلوز إن". تعمل هذه السفن أيضاً بالتنسيق مع الغواصات الصديقة على التصدي لأي محاولة معادية لإغراق حاملة الطائرات من تحت سطح الماء، وأجهزة السونار القويَّة تجعل التسلل خفية مهمة صعبة لأنَّ الطوربيدات وقنابل الأعماق تكون على أهبة الاستعداد في انتظار أي متسللين يفشلون في الاحتجاب.
أما على متن الحاملة نفسها فهناك نظام أسلحة "فالانكس كلوز إن" المتأهب لاعتراض وإسقاط الصواريخ والقذائف المقبلة باتجاه الحاملة. وحتى لو نجح سلاحٌ ما في تفادي "جناح طيران الحاملة" والشبكات ودفاعات الحاملة نفسها فإنَّه سيواجه المصاعب عند محاولة اختراق الصفائح الفولاذيَّة التي يتكون منها بدن السفينة والتي يبلغ سمكها عدة بوصات.
حتى في حالة إصابة الحاملة بضررٍ جراء هجوم ما فإنَّ جميع السفن الحربيَّة الحديثة يجري تصميمها على شكل سلسلة من الحجرات المحكمة المقاومة لدخول الماء، حجرات فرديَّة منفصلة عن بعضها البعض. وعندما تغلق البوابات، أو الكوى، بين الحجرة المتضررة والأخرى التي تليها يتمُّ عزل الاثنتين عن بعضهما ويوقف تسرب الماء وبذلك يتمّ إنقاذ السفينة.
تعرف عمليَّة الاستجابة لاحتواء ما يحدث على متن السفينة من مشكلات بالسيطرة على الضرر، وتبذل بحريَّة الولايات المتحدة جهوداً مضنية لضمان إعداد البحارة جيداً في هذا الفن. فعند صدور النداء تتوجه فرق السيطرة على الضرر الى مستودعات خاصة موزعة في مواقع ستراتيجيَّة من أنحاء السفينة تحوي جميع المعدات الضروريَّة لمكافحة الحرائق والانغمار. هناك حالاتٌ عديدة مسجلة تشهد على نجاح فرق السيطرة على الضرر في الاستجابة السريعة الجريئة، والتمكن من إنقاذ سفن حربيَّة أميركيَّة. ففي العام 1988 اصطدمت الفرقاطة "صامويل بي روبرتس" بلغم إيراني في الخليج العربي. ورغم الانغمار المائي الشديد الذي أعقب ذلك والتواء العارضة الرئيسة – التي تعدُّ عادة بمثابة حكمٍ بالإعدام على أي سفينة – تمكن الطاقم من إبقاء السفينة طافية والنجاة بها من حقل الألغام.
في واقعة أخرى أحدث عهداً، اصطدمت السفينة الحربيَّة "يو أس أس فتزجيرالد" بسفينة حاويات. كان ذلك في العام 2017 عندما كان معظم أفراد الطاقم نائمين، لكنهم هبوا بسرعة لتدارك الموقف وقاوموا تدفق المياه الى داخل السفينة والضرر الذي أصاب هيكلها طيلة 16 ساعة متواصلة الى أنْ تمكنوا من إنقاذ سفينتهم.
قضيَّة السفينة "يو أس أس أميركا"
كلّ ما ذكرناه يخلصُ بنا الى حقيقة أنَّ من الصعب جداً تدمير هذه السفن. وفي العام 2005 اختارت البحريَّة الأميركيَّة حاملة الطائرات السابقة "يو أس أس أميركا"، التي أخرجت من الخدمة، لتكون مادة للاختبار.
سحبت السفينة الى موقع قبالة ساحل ولاية كارولينا الشماليَّة ثم أخضعت لاختبارات التفجير لفترة قاربت أربعة أسابيع من أجل تزويد البحريَّة بمعلوماتٍ حساسَّة تساعدها في وضع تصاميم الجيل المقبل من حاملات الطائرات فئة "فورد". رغم أقصى الجهود التي بذلتها البحريَّة على مدى الأسابيع الأربعة بقيت الحاملة "أميركا" طافية فوق سطح الماء، ولم تغرق إلا بعد إنْ صعد إليها فريقُ هدمٍ متخصص.
قدرة حاملة طائرات عمرها 40 عاماً مثل الحاملة "أميركا" شاهد على مدى صلابة هذه السفن وقوتها ودلالة أكيدة على أنَّ الفئة الجديدة "يو أس أس فورد" سيكون من بالغ الصعوبة إغراقها.
عن مجلة "ذي ناشنال إنتريست"