ترجمة: بهاء سلمان
أصبح تلوث الهواء مشهداً مألوفاً للغاية بالنسبة لسكان شرق وجنوب شرق آسيا، فأكثر من تسعين بالمئة من سكان المنطقة البالغ عددهم مليارين ونصف المليار نسمة يتنفسون هواءً غير آمنٍ، بحسب منظمة الصحة العالميَّة. وهو هواء مزيج من نواتج انبعاثات عوادم السيارات ودخان حرائق الغابات ومسؤول عن ملايين الوفيات المبكرة سنوياً.
تقول "ديتشن تسيرينغ"، المدير الإقليمي وممثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة: "يمثل تلوّث الهواء أحد أكبر التهديدات الصحية التي تواجه هذه المنطقة حالياً؛ لكنَّ النبأ السار هو أنّه ليس مشكلة مستحيلة الحل. نحن نعرف كيف نحد من تلوث الهواء؛ نحتاج فقط إلى التحرّك". ويبدو أنَّ النوعين الأكثر ضرراً من تلوّث الهواء في آسيا والمحيط الهادئ هما الجسيمات الدقيقة والأوزون التروبوسفيري (Ground Level Ozone). الناتجة بشكل رئيس عن حرق الوقود الأحفوري والكتلة الحيويَّة، مثل الأشجار؛ وهي خطيرة بشكل خاص، لأن حجمها الدقيق يسمح لها بالتغلغل عميقاً في الرئتين ودخول مجرى الدم، ما يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب وسرطان الرئة، من بين أمراض قاتلة أخرى محتملة.
يتكوّن الأوزون التروبوسفيري، وهو من الغازات، عندما يتم تسخين أبخرة الوقود والمذيبات الكيميائية والملوثات الأخرى بواسطة الشمس. ويمثل المكوّن الرئيسي في الضباب الدخاني، وقد ارتبط بمجموعة من مشاكل الجهاز التنفسي، بضمنها الربو وانتفاخ الرئة والتهاب الشعب الهوائية المزمن؛ كما يمكنه أيضاً إبطاء عملية التمثيل الضوئي، ما يعيق نمو النباتات.
أرقامٌ مخيفة
يتنفّس كل من يعيش مناطق شرق وجنوب شرق آسيا تقريبا هواءً ملوثاً، وتصنّف تسع دول ضمن أكثر 40 دولة ملوثة في العالم، وفقاً لبيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، المتخصصة بقياس جودة الهواء. وأظهرت البيانات المباشرة من برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن أكثر من 98 بالمئة سكان الصين واليابان ولاوس وكوريا الجنوبية وفيتنام استنشقوا هواءً ملوثاً متجاوزاً حدود إرشادات منظمة الصحة العالمية. ومن خلال الاطّلاع على خارطة المنطقة، نجد أن القليل جداً من المدن تتمتع بهواءٍ نظيفٍ، وفقاً لبرتوكولات منظمة الصحة العالمية. ويلاحظ أنَّ جزءاً كبيراً من جودة الهواء الرديئة ناتج عن حرق الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة والصناعة والنقل، وحرائق الحطب المختلفة للطهو المنزلي والتدفئة والإضاءة، والحرق غير المنظم للقمامة وبقايا
المحاصيل. ومن بين المناطق، سجلت جنوب شرق آسيا وشرق آسيا وأوقيانوسيا ثاني أعلى معدل للوفاة المبكرة جرّاء هذا التلوّث سنة 2021، بعد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فقط. وسجلت دول الصين واندونيسيا وميانمار وفيتنام والفلبين أكثر عددٍ لوفيات مبكرة بسبب تلوّث الهواء، بأرقامٍ تراوحت بين مليونين ونصف المليون وفاة للصين وصولاً إلى نحو مئة ألف حالة للفلبين، بإجمالي وصل إلى نحو ثلاثة ملايين فرد لعموم المنطقة.
وهناك تقارير نشرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة تتحدث عن معطيات تلوّث الهواء في كمبوديا وإندونيسيا وتايلاند. حيث تتجّه خمسة ملوثات شائعة للزيادة، وهي ثاني أكسيد الكربون وأوكسيد النيتروجين وثاني أوكسيد الكبريت والأمونيا. واكتشفت التقارير أن الدول الثلاث يمكن أن تنقذ مجتمعة 230 ألف حياة من خلال اتخاذ خطوات هادفة للحد من تلوّث الهواء. وستكون لأندونيسيا الحصة الأعظم من هؤلاء الذين سيتم إنقاذهم، إذ من المتوقع أنْ يسهمَ تلوّث الهواء بأكثر من 200 ألف حالة وفاة مبكرة سنوياً بحلول العام 2030. كما توصّلت التقارير نفسها إلى أنَّ البلدان الثلاثة يمكن أنْ توفر مجتمعة نحو 60 مليار دولار أميركي لتكاليف الرعاية الصحية حتى العام 2030 من خلال تطوير سياسات لمكافحة تلوّث الهواء. ويمكن لهذه التدابير أنْ تقللَ بشكلٍ كبيرٍ من حالات دخول المستشفيات بسبب الربو وأمراض الجهاز التنفسي، من بين حالات أخرى.
إنَّ الحد من تلوث الهواء لن ينقذ الأرواح ويوفر المال فحسب؛ وإنما سيساعد أيضاً في مكافحة تغيّر المناخ، وذلك لأنَّ العديد من المواد الملوّثة للهواء، مثل غاز الميثان والكربون الأسود، تحبس أيضاً حرارة الشمس، متسببة بتسريع الاحتباس الحراري العالمي.
قلق مكلف
ومع أنَّ هذه المواد لها عمرٌ قصيرٌ نسبياً داخل الغلاف الجوي لكنها تسبب ارتفاعاً بدرجة الحرارة لكل وحدة كتلة أعلى مما يخلفه الغاز الأكثر شيوعاً المسبب للاحتباس الحراري: ثاني أكسيد الكربون. ومن خلال إقامة مشاريع للطاقة المتجددة، وفرض معايير أكثر صرامة لانبعاثات المركبات وتعزيز التحوّل إلى السيارات الكهربائيَّة، يمكن لإندونيسيا، على سبيل المثال، تحسين جودة الهواء وخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي بنحو 650 ميغا طن؛ وهو يعادل إزالة 130 مليون سيارة من
الطرق. لقد غطت التقارير ثلاث دول فقط، ويمكن تطبيق النتائج على معظم شرق وجنوب شرق آسيا، بحسب تسيرينغ، من برنامج الأمم المتحدة للبيئة. "البلدان قلقة بشأن التكلفة التي ستتكبدها للحد من تلوث الهواء؛ لكن بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة تظهر أن هناك ضريبة هائلة، سواء من حيث الأرواح أو المال، إذا حصل تقاعس". ويقول الخبراء إنَّ هناك العديد من الأشياء التي يمكن لدول شرق وجنوب شرق آسيا القيام بها للحد من تلوّث الهواء، من مشاريع الطاقة المتجددة وتشجيع اقتناء المركبات الكهربائية، وتحسين إدارة النفايات والتخلّص من حرق القمامة في الهواء الطلق، ووضع حد لحرق المحاصيل، وتقديم يد العون للأهالي للحصول على وقود أكثر نظافة، مثل الغاز الطبيعي، المخصص للطهي.
وجدت بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه مع ارتفاع تكلفة هذه التدابير، فإنها ستتضاءل مقارنة بمقدار الأموال المفقودة بسبب فواتير الرعاية الصحية وانخفاض الإنتاجية. إذ ستبلغ كلفة الأعمال في تايلاند، مثلاً، لأجل تنفيذ استراتيجيات الهواء النظيف نحو أربعة مليارات دولار أميركي سنوياً بحلول العام 2030، بينما ستبلغ تكلفة التقاعس عن إجراء هذه الأعمال ثلاثة أمثال هذا
المبلغ. تقول تسيرينغ: "من المنطقي على العديد من المستويات أن تأخذ البلدان مسألة تلوّث الهواء على محمل الجد. لا شك أنَّ بعض الدول أحرزت تقدماً خلال السنوات الأخيرة. ولكننا بحاجة إلى تكثيف العمل لاستغلال إمكانات هذه المنطقة ومساعدة الناس على العيش حياة أطول وبصحة أفضل".
عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP