بكر بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام).. شـهـيـد الــولاء والـعـقـيـدة
عامر جليل ابراهيم
تصوير: اعلام الامانة العامة للمزارات الشيعية
(الصباح) وفي سعيها للتعريف بالأماكن الدينية السياحية زارت مرقد بكر بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام) والتقت السيد قاسم سليم كاظم الشهيلي الأمين الخاص السابق للمزار، ليحدثنا عن نسب صاحب هذا المزار الشريف فقال: ينتمي نسب بكر (ع) من جهة الأب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، أما من جهة الأم، فأمه هي ليلى بنت مسعود النهشلية الدارمية التميمية من أهل البصرة تنتمي الى عائلة كريمة لها شأن كبير بالولاء لأمير المؤمنين (ع).
اليافع
ويضيف الأمين الخاص للمزار: بأن أرباب السير والتاريخ يذكرون أن أمير المؤمنين (ع) قد تزوج بهذه السيدة الفاضلة في البصرة بعد انتهائه من معركة الجمل، التي خاضها ضد طلحة والزبير وأتباعهما، وكان ذلك الزواج المبارك في سنة 35هـ أو بداية 36هـ ورزق منها أمير المؤمنين (ع) بولدين الأكبر هو عبيد الله ومكان دفنه في منطقة المذار بمحافظة ميسان ـ وله مزار كبير والأصغر هو المترجم له مولانا محمد الأصغر الملقب بـ (بكر) بفتح الباء، وتعني الفتى اليافع من الإبل، حيث كان العرب لشدة حبهم لها يطلقون بعضا من أسمائها أو صفاتها على أبنائهم، وكان شابا يافعا مكدودا في ذات الله عز وجل لا تأخذه في الله لومة لائم، قاتل بين يدي أخيه الحسين (ع) في معركة الطف الخالدة، حيث كان يذود عن الامام الحسين (ع) بكل شجاعة وبسالة الى أن سقط شهيدا مضرجا بدمه الطاهر، لذا لقب بشهيد الطف وتذكر المصادر التاريخية أنه بعد استشهاده، تم نقل جثمانه الطاهر من قبل أخواله بني نهشل من كربلاء الى مكان دفنه اليوم في الحلة.
مدارج الكمال
ويؤكد الامين الخاص للمزار أنه لا يخفى انه قد توج مسيرة حياته المعطاء بموقفه المشرف مع أخيه الحسين (ع) في معركة الطف الخالدة، ما يكشف عن وعي تام وبصيرة ثابتة، أهلته لأن يرتقي الى مدارج الكمال، كي ينال الشهادة في عاشوراء وهذا ما أكده الإمام الحسين عليه السلام في قوله المشهور حين قام خطيبا فيهم يوم عاشوراء فقال بعد الحمد والثناء: (أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي).
لقد اتفق ارباب التراجم والأنساب والتاريخ على ان الأبن الأصغر لأمير المؤمنين (ع) من ليلى بنت مسعود التميمية، السيد الجليل بكر بن علي هو من استشهد مع أخيه الإمام الحسين (ع) في واقعة كربلاء المقدسة، واما مكان دفنه فهو المكان الذي يزار به اليوم في الحلة، وهذا ما ذكره الشيخ حرز الدين - رحمه الله- في كتابه مراقد المعارف، حيث تم نقله من مكان استشهاده في كربلاء الى موضع قبره الشريف الذي يعرف به اليوم من قبل أخواله من بني نهشل، حسب رواية الشيخ الطبرسي والشيخ الاردبيلي (رضوان الله تعالى عليهما)، التي ينقلها صاحب كتاب (ليلى بنت مسعود النهشلية)، وهذه الرواية هي الاوفق بمقتضى الحال، كما حصل لغيره من الشهداء الذين نقلتهم عشائرهم وبنو عمومتهم الى مكان ارادوه لاعتنائهم بهم، ومما يؤكد مكان دفنه الصخرة الاثرية الدالة عليه بالخط الكوفي المنقط (هذا قبر بكر بن علي بن أبي طالب الهاشمي كانت وفاته سنة 60 بعد الهجرة النبوية)، والتي عثر عليها عندما كشف التراب عن القبر الشريف لإعادة إعماره عام 1902م 1323هـ.
الصخرة الأثريَّة
وأثناء تجوالنا بالمزار الشريف التقينا بالسيد المهندس المقيم عامر رزاق عباس الجبوري، ليحدثنا عن تفاصيل حملة الإعمار التي يشهدها المزار فحدثنا قائلا: حملة الإعمار التي يشهدها المزار حاليا هي الأكبر من نوعها بعد حملة البناء، التي حصلت على المزار الشريف في عام 1903. وإن المكانة الدينية لصاحب المزار وزخم الزائرين الوافدين إليه من داخل وخارج بلدنا الحبيب دفعا المعنيين بالأمر الى تجديد العمران فيه.
وبين المهندس الجبوري أن هناك أكثر من مشروع قيد الانجاز حاليا يمول بعضها من قبل ديوان الوقف الشيعي، وأخرى تمول من قبل الحكومة المحلية في بابل، وتتضمن تلك المشاريع انشاء الحرم الطاهر الذي تعتليه القبة المباركة وتلتصق به مئذنتان بارتفاع 30 متراً مع الأواوين بطابقين، بداخلها جامع كبير وقاعات ومدارس دينية
وجناح ادارة، وخدمات تقوم على مساحة تزيد على عشرة آلاف متر مربع، تم استخدام أجود مواد
البناء فيها كالمرمر اليوناني والباكستاني والتزجيج بالمراية والآيات القرآنية والنقوش والزخارف الاسلامية ذات الطابع الروحاني، فضلا عن نية ادارة الامانة الخاصة للمزار الشريف، وبالتنسيق مع الامانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة انشاء سرداب أسفل الشباك الطاهر حاليا يتم الدخول اليه بواسطة نفق أرضي وغيرها من المشاريع للوصول الى مستوى عمراني يليق بصاحب القبر الشريف.
مشروع الأواوين
ويعود الأمين الخاص ليحدثنا قائلا: إن مراحل العمارة في المزار المبارك تعود لسنوات قديمة، فكانت أولى مراحل العمارة في عام 1902 وتم خلالها العثور على الصخرة الاثرية الدالة على صاحب المرقد والتي تعد من النفائس، وبعد ذلك توالت عمليات الإعمار من قبل الأهالي القائمين على خدمة المرقد الى حين تأسيس الامانة العامة للمزارات الشيعية وانضواء المزار تحت رعايتها في عام 2008 ومن ثم في عام 2012، حيث بدأ أول مشروع اعمار حكومي نظامي من قبل ديوان الوقف الشيعي، إلا أنه في عام 2015 توقف العمل بسبب الازمة المالية جراء انخفاض اسعار النفط وكذلك الازمة الأمنية بسبب الإرهاب الداعشي آنذاك، وفي عام 2019 شهد المزار حملة اعمار كبيرة تضمنت مشاريع عدة، منها مشروع تشييد وبناء المئذنتين الشريفتين للمزار المبارك ومشروع تشييد وبناء القبة للحرم المطهر، فضلا عن مشروع تأهيل الواجهة الجنوبية للمزار، ثم مشروع الصحيات الثانوي ومشروع حكومي خدمي اخر (مشروع الأواوين)، وبعد ذلك تم العمل على اعادة تمويل وتنفيذ المشاريع الحكومية المتوقفة، ومن ثم تم استئناف العمل في مشاريع أخرى بالتعاون مع الحكومة المحلية في بابل، منها مشروع الصحيات الرئيسة ومشروع الأواوين، وفي منتصف عام 2023 تم استئناف العمل في مشروع المزار الرئيس، ولا يزال العمل مستمرا على قدم وساق للوصول الى مراحل انجاز متقدمة، حيث تم اكمال التغليف الداخلي للقبة بالمرايا العين كار وكذلك وتغليف الاواوين للصحن الشريف ونأمل أن يستمر العمل بوتيرة متصاعدة ليتم الانجاز بالسرعة الممكنة.
عامر بالزائرين
واثناء تأدية الزيارة التقينا بالسيد علي جواد الموسوي المعاون
الثقافي للمزار حيث قال: بالرغم من أن المزار في مراحل الاعمار، لكن النشاطات لن تنقطع من محافل قرآنية ودورات في التلاوة والتجويد، علاوة على باقي النشاطات وعلى مدار السنة.
وزيارته تكون أسوة بأخويه الإمامين الحسين وأبي الفضل العباس عليهما السلام، وليلة الجمعة يكون المرقد عامرا بالزوار، وكذلك أيام محرم الحرام وأيام صفر والزيارة الخاصة هي في أيام شهري محرم وصفر وفي شهر رمضان، وفي أربعينية الإمام الحسين يعود الزوار لتعزية ومواساة ابن أمير المؤمنين (ع)، ويتوافد على زيارته كثير من الزوار من الدول العربية والاسلامية.
مشاريعُ مستقبليَّة
ويختتم الامين الخاص حديثه: تسعى الأمانة الخاصة للمزار الشريف لتنفيذ مشاريع خدمية تصب في خدمة صاحب المرقد المبارك وزائريه الكرام، ومن هذه المشاريع: مشروع إنشاء فندق سياحي للزائرين وانشاء معمل مياه الشرب (أورو) وانشاء مطبعة للمزار، فضلا عن استملاك مساحات من الأراضي المحيطة بالمزار لإقامة مشاريع خدمية واستثمارية مستقبلية.