د. خيرالله سعيد
في مطلعِ العـام 1970م، كُـنّـا مجموعـة من الفتية نسكن قطـاع 42 في مدينة الثـورة آنذاك، وكان جُـلّ لقاءاتنا في بيت الصديق النـاقـد غالي الخزعلي، وكنّـا في بداية التكـوين الثقافي والسياسي لشخصياتـنا الفتية، والتي تحاول أنْ تتجـاوب مع موجـة ثقافـة الشعر الشعبي في مدينتـا (الثـورة) الضّـاجة في هـذا الميدان، إذ كانت موجة الحداثة الشعريَّة التي كان يقودهـا
الشاعر الراحل شاكر السماوي وجمعة الحلفي وكاظم إسماعيل الـﮕـاطع وريسـان الخزعلي، وكريم العراقي وغيرهـم، تأخذ منحىً إيجابيّـاً صاعـداً، بينما كان يقود ناصية الشعر الشعبي (الكلاسيكي) الشاعر عريـان السيد
خلف.
ذات يومٍ جاءنـا الصديق الشاعر الراحل شاكر جاسم العبادي (أبو صمد) بقصيدة عصمـاء، كانت تحمل عـنوان (الـدريول – أي السـائق) وادّعى بأنهـا لـه. بينما عرفـنـا بعـد سنواتٍ طويلة أنَّ تلك القصيدة هي للشاعر الكبير (مجيد جاسم
الخيّـون).
موضوع القصيدة يناقش (حـالة اجتماعيَّة) كانت تخضع بمجملهـا إلى سيادة رقابة الأهـل على حركة الفتيات في المدارس والجامعـات، وداخل أماكن العمل، وغير ذلك، بمعنى أنَّ "مسألة اللّـقاء" مع أي حبيبة، كانت بمثابة مغامرة، قد تكون غير محسوبة النتـائج، وقد كان الشاعر قد اتفـق مع حبيبتـه العاملة في إحدى الشركات الكائنة في باب المعظم، بأنْ تصعدَ هي من أول موقفٍ لباص النقل
العام – رقم 63 – القادم من باب المعظم إلى نهاية مدينة الثورة – الـﭽوادر، بينما يركب هـو من "الموقف الثاني" مباشرة حتى لا يثير الريبة، ويتفلّـت من الرقابة، من جهةٍ أخرى، وقد تعـوّدوا على ذلك في كل يوم.
وذات يوم من أيّـام تموز اللاّهبة من العام 1971، وكما هـو معـتاد، ذهب شاعرنـا إلى الموقف الثاني، بينما كانت حبيبته تستقلُّ الباصَ من أول موقف في باب المعظم، وهو موقفٌ معروفٌ ومزدحمٌ على طـول، وقد امتلأ الباص من أول المحطة، ولذلك قرّر السائق (الدريول) ألا يقف في الموقف الثاني أو الثالث، نتيجة ذلك الازدحام وكثرة الراكبين، بحيث إنَّ الراكب لا يجد لنفسه موقع قـدمٍ داخل باص النقل العـام، والذي يعرف عندنـا باسم "الأمانـة".
حين مـرَّ الباص ولم يقف في "الموقف الثاني" وشمس تموز تصهر حتى الإسفلت الموجود على الشارع، استشاط صاحبنـا الشاعر، وأنـزل مختلف اللّـعنات، واختار قاموس الكلمات النابية، وهـو يشير إلى
سائق ذلك الباص، ومن ثمَّ كتب معاناته تلك في واحدة من أجمل القصائد الشعريَّة في الشعر الشعبي العراقي وقتذاك وكانت بعـنوان: "الـدريــول" وعلى النحو
التـالي:
المـوقـف الأول عام 1971:
عسى ادريول الأمـانة المـا وﮔـف يعثر .... عساه بكـثر
عساه بجـور ﮔـــلبي الوجّـر بهـالحـر .....
عساه امحنضل امّـرمَـر
عسى بـدربـه منـايا المـوت تتـبخـتـر ......
عســــاه ولا عساه يسـمر
شـﮔـول أﮔــدر !؟؟
تعـدّه ولا وﮔــف مِـن مَــرْ..... ولا فَــتّـــــر !
ولا ﮔـال المحطّـة اشبيهـا من ركّـاب تتـنطّــر
ولا عبريه شافـــه ايلـوج ومحيّــر
ولا ﭼـنّـه أخـذ روحي ..... أخذ روحي ودليلي ابمشيتي اتحسّـر
شـسوي اﮔـدر !؟
اصير إنـﮔـــر !!
أصيرن عثـره الـه ويعـثر !؟
وارد أخسـر ،،، أنـا الأخســر
أعِـتّــه ايطــوع ،،،، مـا تــــدبـر !
هـافي،،، هـافي وفـايت بحيـفه
مَــرﮒ يجعـــــــــــــــر
ألف ممـنوع ،،، ممـنوع الـدريول يمشي بكيـفه
شِـبه مفـتر ،،، مشي سـكران ،، دايخ سـاهي بطيفه
عليّـه ولا كسـر سـكّـان،، مـنداع ايتـغـاوه،، الجـادة انظيفـه
يـريت المفـرزة بهـالسـاع وتظيفـه
وتخيب اظـنونـه هـالأﮔشـر
وﮔـل لهـلي يعـلـمونـه
ويشوف اشلون الـه قشمر
يـنـاغي الروضة مفـتـونـة ،،
وشمرني بنص ثـنـايـا الـبَـر
مـن ﮔـال العشــج حرثه وطـريج أخضر!
عَـسـاه امحـنضل امّـرمـر
عسى بدربـه منــايا المـوت تتبخـتر
عساه بكثر،، عساه بكثر
* * *
* الموقف الثـاني: كتب عـام 1972 م:
حـﭽيت اعلى الـدريول خـابط وصافي
حـﭽيت اعليه،، حـﭽيت اشما على بـالي إجه بطاريّه
حـﭽيت بحرﮔـه اذمّـنـه،،،
حـﭽيته بلوعـة العشـاﮒ يتـفـنّـه
ﮔـلت عـنّـه ،، ﮔـلت كلشي ،، أشكال ألـوان
حـتى ولا عــدل يمشي ،،
ﮔـلت أعمـى العيـون وﮔـلبه هـم يعشـي
ولون آنـا (مدير السير والتفتيش) واللهِ لفصلنّـه
يثـاري شـو طـلع ﭼـنّـه
نبـي عَـــــــــرّاف بـالـونّـــــــــــــــــــة
ومـالي بروحـك اتـكــــــتّـر
قريت العشـج بعـيونـــه
تراهـن خطـهـــــن امـزوّر
يســاﮔـي الكـون بدمـوعـــك
زرعنـا الكُـون فوﮒ اجبال مـا خضّـــر
عجـب اشــﮔـد حكــيم إنـتــه
عجـب تــدري بـدغـش وِدّه
يحــالم غـيب تتـبصّــــر
حُكــم لقـمـان مـو مثلك ،،،،
ولا ظِنّـه ولا اتصوّر
دَ مُـرني وشوف روحي ويـاك عايشـه بمنّـه
شصبرهـا ،،،شصبّـر مـاي وطّـشّـر
وتـعـتني، وﮔـوّه مني اتـريد ألمْــنـّه
يصـير لـﭽـــتلي أتصـبّـر !
نُـفـر ريـم الفــلا ،،،، وبـدمّـي امحـمّــــر
عسـاه امحـنضل امّـرمـر
عسى بـدربه منــايا الموت تتبخـتر
عســاه بكثـــــر.