لعل نسبة كبيرة من المفردات التي يستعملها مثقفونا واعلاميونا وادباؤنا في كتاباتهم, تعتمد على السماع والقراءة العامة للمجلات والصحف والكتب, وليس على مرجعية قاموسية او لغوية, ولهذا تتسلل الكثير من المصطلحات والتعابير والمفردات التي هي من (العامية) الى كتاباتهم, ولأن بعضها من الشيوع وسعة الاستعمال تصبح وكأنها من فصيح اللغة الى الحد الذي تتراجع فيه الفصحى وتمسي غريبة علينا...
أمضيت عمري وانا استعمل مفردة (طابق) على سبيل المثال في اشارة الى عدد أدوار(طوابق) البيت او العمارة او الفندق, فأقول (كان الفندق مؤلفاً من عشرة طوابق), اما (الطبقة) فتعلمتها من اصدقائي الشيوعيين يوم كانوا يتحدثون عن طبقة العمال والنضال الطبقي قبل ان ينصرفوا الى الحديث عن الاستحقاقات الانتخابية والحقائب الوزارية والتداول السلمي للسلطة بعد 2003, ولكن المصادفة الجميلة قادتني الى حضور مجلس ثقافي في بيت الاستاذ الفاضل الدكتور إحسان المهداوي, وجمالية المصادفة ان المحاضرة التي كان يلقيها الدكتور ميمون اسماعيل كانت في ميدان اللغة, والاجمل ان السيد اسماعيل كان يتحلى بخفة دم نادرة, اما الغريب في تلك المصادفة السعيدة فهو ان الرجل تناول مفردتي (الطابق-الطبقة) بشيء من التفصيل حيث قال: من المؤسف ان (العامية) انتقلت حتى الى لغة ادبائنا ومثقفينا, ومن ذلك استعمالهم مفردة (طابق) وجمعها (طوابق) في اشارة الى عدد (طبقات) البناء فتراهم يكتبون (بناية ذات طابق واحد او طابقين او ثلاثة طوابق...الخ), والصواب (طبقة واحدة او طبقتين او ثلاث طبقات...الخ), لان (طابق) هو من العامية وليس من الفصيح في شيء.
ثم انتقل الى مفردة (الطبقة) وجمعها (طبقات) فقال: الطبقة في اللغة العربية يراد بها (المرتبة) كالطبقة الاجتماعية او طبقة العمال.. اما اذا قلنا مثلاً (تتألف العمارة الفلانية من طبقة او عدة طبقات, ففي هذا الاستعمال كناية بلاغية الى غرفٍ وردهات وصحونٍ يجمعها سقف واحد, ومستوى أرض واحدة), وشرق الرجل وغرب في العديد من المعاني الاخرى كالطبق والاطباق والطباق-بكسر الطاء-وغيرها, حتى اذا انتهى سأله أحد الحضور ان كان استعمال (الطبقة السياسية) خطأ لغوي شائع, فأجابه بل هو استعمال لغوي سليم, ولكن السائل نفسه عاد يسأل من جديد, وبدا من اسلوب طرحه انه يتحلى بسذاجة كبيرة, فقد قال (جاء في شرحك ان الطبقة هي المرتبة وهي من البناء كذلك.. فلو كانت لدينا عمارة من اربع طبقات فأين تكون مرتبة الطبقة السياسية, في الطبقة الرابعة مثلاً ام في الطبقة الارضية ام في السرداب, واين يسكن الشعب) ردّ عليه رداً طريفاً (الطبقة السياسية تسكن في أية طبقة تعجبها لان البناية بالكامل ملكها, اما الشعب فيسكن في الشارع لأنه لم يدفع الايجار) وضحكنا حتى عبر ضحكنا الطبقة الرابعة!!