علي حمود الحسن
زخات فرح وجمال، رطبت أجواء مدينة السماوة التي شوت اديمها شمس حزيران اللاهبة، اذ احتضنت على مدار ثلاثة أيام، نخبة من مثقفي العراق في حقول الموسيقى والغناء والسينما والمسرح والشعر، فضلا عن عروض أزياء مستلهمة من تراث المدينة العريق، لأحياء اول تظاهرة ثقافية شاملة تنظمها المحافظة، متمثلة بمهرجان اوروك الثقافي، الذي انطلقت فعالياته، على قاعة الصداقة وسط المدينة، للفترة من20 الى 22 الشهر الجاري، ابتدأت فعاليات يوم اوروك الثقافية بكلمات رسمية أجمعت كلها على ان « الثقافة، هي من تهذب الشخصية وتحد من تطرفها وقسوتها» ثم انهمرت شلالات الجمال: موسيقى، وقصائد وعروض أزياء ورقصات استلهمت حضارة اوروك العظيمة وفولكلورها العريق ، ولم يغب عن هذا اليوم الحافل سحر الشعر وعذوبته، اذ القى رمزا المدينة وشاعراها الكبيران ناظم ويحيى السماوي، قصيدتين تمايل على إيقاع ابياتهما جمهور المهرجان الذي اكتظت به القاعة، وعلى هامش المهرجان افتتح معرض لتشكيلي المدينة ضم ابرز فناني المدينة، منهم معراج فارس واياد فيصل وجمانة عبد الكريم.
غمرتنا انا وزملائي المشاركين في هذه الفعالية غير المسبوقة، حماسة نجاح افتتاح المهرجان الذي اداره الفنان الموسيقي جمال السماوي، ونحن نرى تفاعل جمهور هذه المدينة المنسية، بالثقافة والمثقفين، وهم يصرون - من خلال حواراتنا معهم-على ضرورة ان تشهد السماوة فعلا ثقافيا يحرك ساكنها ويلفت الانتباه الى مدى تأخرها على صعيد البناء والعمران، فليس غير الثقافة من يقف بوجه الجهل.
وكان اليوم الثاني يوما بصريا بامتياز، اذ تم تنظيم عروض لأربعة أفلام قصيرة اخرجها سينمائيو المدينة، هي: “، و «أماني» لفاضل ماهود، و»ستروجين» لعلي السلطاني، و» ذهان» لعلي الكعبي، بأشراف المعلم هادي ماهود صاحب فيلم «دكتور حمودي»، وكانت مفاجأة فعالية السينما، الفيلم الوثائقي «اماني « الذي اخرجه فاضل ماهود، ويتحدث عن صبية فقدت ساقيها في انفجار، يلتقيها المخرج مصادفة، ويتبنى قضيتها وبعد مكابدات يفلح في علاجها على يدي طبيب عراقي مغترب، الفيلم على مستوى عال من الجودة على صعيد الموضوع والبناء السردي، اذ اعتمد المخرج الذي كتب السيناريو أيضا، على راو عليم (جسد دوره فاضل ماهود) نظم إيقاع الفيلم فهو يحكي قصة تعرفه على الصبية وتعاطفه معها وكيف قرر ان يتبنى قضيتها ولم يترك بابا الا وطرقه في داخل البلاد وخارجها، ساعدته على ذلك إرادة حديدية للفتاة اماني التي تحدت العوق وتشبثت بحقها في الحياة، هذا الراوي لم يكن ثقيل الظل ولا متسلطا، انما سد الثغرات السردية من دون الاخلال في المعادل الصوري، فاللقاءات مختزلة والمرويات الصورية سلسلة، من خلال قطع مبتكر وتصوير ناعم، وما من شك فان أسلوب المخرج القدير هادي ماهود القت بظلالها على الفيلم.
وما يجعل “اماني” مميزا، هو إدراك صناعة وظيفة السينما الوثائقية الاجتماعية، فهذا الجهد البصري وثق مسيرة فتاة تجاوزت عوقها وسارت صوب الامل.