عواطف مدلول
اعتادت سما الهروب مهرولة إلى غرفتها وملامح الخجل تغطي وجهها، كلما زارهم عدد من الضيوف، لا سيما إذا قامت والدتها بمناداتها لاستقبالهم، فهي تخشى كثيراً من التعرف إلى الناس، خصوصاً أن أغلبهم يراها مشروع زواج ناجحاً، وهي تجد نفسها محط أنظار وإعجاب كل من يلمحها، سواء من الأقارب أوالجيران رجالاً أو نساء، لكونها بالعمرالمناسب للارتباط، وتمتلك المواصفات المطلوبة للزوجة الصالحة والمفضلة، لكن المشكلة لديها في ردة فعلها التي تبدو دائماً مرتبكة وغير متوقعة، كلما ذكر وطرح موضوع الخطبة أمامها، فتحسم طلبهم بإجابة سريعة بالرفض.
البيئة التي نشأت وتربت بها سما تسود فيها قوانين محددة فرضت عليها منذ الصغر، حيث تتضمن بعض الممنوعات والمحرمات بشكل مبالغ، ما جعلها تنفر وتخاف من الجنس الآخر ولا تحسن التصرف معه، لم ينتبه أفراد أسرتها لحالتها تلك، لأنهم يعتبرون ذلك الأمر طبيعياً، كنوع من التربية الصحيحة والعفاف الذي ينبغي أن تتزين به البنت بعمرها، فهي ما زالت تدرس بالمرحلة الإعدادية، معتقدين أنها كلما تقدمت بالعمر سوف يحصل تغيير بسلوكها هذا، وتصبح أكثر تأقلماً مع حياتها، لو دخل فيها رجل كرفيق وشريك لها.
إلا أنه في الحقيقة فوبيا الذكور والخوف من الزواج ربما يستمر مع بعض البنات لمراحل متقدمة من السن، فيخسرن فرصاً جيدة للزواج مستقبلاً، لأنهن يمتنعن لأسباب وحجج غير مقنعة عن خوض تلك التجربة، وحتى وإن تجاوزن ترددهن ودخلن عش الزوجية، فإنهن قد يخرجن منه بنهايات فاشلة.
من جهة أخرى يبين أحمد سامي أن بعض الشباب يمتلكون تلك المخاوف أيضاً، فهناك من يكون لديه فوبيا من الارتباط ويعاني لسنوات طويلة منها، ولأسباب نفسية عديدة جراء الظروف التي تحصل له، وتمر عليه في البيت وخلال دراسته وكذلك وظيفته، مشيراً إلى أنه رغم بلوغه عمر النضج ما زال لا يعرف أن يتقدم خطوة ويتخذ قرار الزواج، لأنه هناك عقدة لا يعرف كيف يعالجها ويتعافى منها، ولطالما قام بمساعٍ مختلفة لإيجاد حل لها، من خلال مرافقة بعض الأصدقاء الذين بعمره، بعد تخرجه وحصوله على وظيفة جيدة، والاطلاع على تطور علاقاتهم العاطفية وزيجاتهم الناجحة، فقد حضر أعراس أغلبهم، لكن هناك حواجز نفسية وقيوداً شتى تكاد تخنقه وتكبله، فتعيق تفكيره بالزواج، يتمنى أن يتحرر منها، مؤكداً أن صداقاته شملت الجنس الآخر، لكن ذلك الاختلاط بقي بحدود الأخوة والزمالة فقط.
تعرف الدكتورة حنان جمعة عبد الله المختصة بعلم النفس تلك الحالات بالجاموفوبيا، موضحة بأنه مفهوم يعبر عن رهاب الزواج، وهو نوع من مشاعر التردد والخوف من الارتباط، وترى أن البعض يتعامل مع هذا التردد بالشكل المناسب، لكن الجاموفوبيا تختلف عن هذا النوع من التردد، فهو ليس مجرد امتناع بل هو خوف معيق يشل الإرادة، حيث يخشى الكثير من الشباب أن تتم مصادرتهم لصالح أسرهم البديلة وبالتالي يفقدون التواصل مع أسرهم الأساسية، وهو ما يظهر تمسكهم بأهلهم وعدم تصور أنهم يصبحون في أسر مستقلة، تتشعب مسؤولياتها واحتياجاتها التي كانت توفر من قبل الأهل، ولعل الأهل هم السبب في ظهور هذا النوع من الخوف، لكونهم يفاجئون أبناءهم بالتلويح به من دون مقدمات له، ما يجعله يبدو صعباً. مضيفة :البطالة هي الأخرى سبب آخر لخوف الشباب من الارتباط، إذ إنهم لا يجدون وظائف تمنحهم معيشة آمنة، وهو ما يثير لديهم مشاعر القلق المتعلّقة بالمستقبل، وخصوصاً المستقبل الزواجي وبناء الأسرة، وهذا الخوف يشيع بين أوساط الشباب بصورة كبيرة، وربما مبرر إلى حد كبير، كونه رغبة في الاعتماد الكلي على النفس بدلاً من الفشل في ذلك، وهو يكثر عند الرجال بسبب المخاطر الشخصية والاجتماعية والمالية ويشكل الزواج أو الارتباط قلقاً عندهم، فنصادف كثيراً من الأعذار تتردد على ألسنتهم، بعبارات مثل (أنا لست مستعداً للزواج، الزواج ليس مناسباً، فكرة الزواج تخيفني كثيراً) وغيرها من الكلمات التي تعد مؤشرات للهروب من الزواج، وذلك يؤثر في الصحة النفسية لهم، لأنهم في مرحلة الزواج، وفي الوقت نفسه يشعرون بالعجز المتمثل في عدم قدرتهم على اتخاذ قرار الارتباط بسهولة، وتوقع الفشل في الحياة الزوجية، وكثرة سؤالهم عن الأمور المتعلقة بالزواج وانتهاك الخصوصية والحرية، فتولد لديهم حالة وجدانية سلبية ناتجة عن تصورات خاطئة ومشاعر عدم الارتياح.
وتفسر الدكتورة حنان الفوبيا بأنها اضطرابات حقيقية ذات خوف شديد وغير مبرر، حيث تندرج الجاموفوبيا تحت الفوبيا البسيطة أو المتوسطة وتسبب خوفاً شديداً غير منقطع من الزواح والالتزام به، لدرجة أن بعض الأفراد المصابين ينتابهم شعور قاتل عند رؤية زوجين، والجاموفوبيا لها العديد من الأعراض النفسية والجسدية، ومنها تجنب حضور مناسبات الزواج واضطراب المزاج عند طرح فكرة الزواج، وأيضاً يدرك الفرد أن خوفه غير مبرر، لكنه غير قادر على السيطرة عليه، يصاحب نوبات الهلع ظهور أعراض جسمية أحياناً مثل الارتعاش والصياح وتسارع ضربات القلب.
ويمكن أن يكون رفض الزواج والتردد نتيجة تجربة سابقة غير موفقة، أو انعدام الأمن الشخصي بأن تشارك جميع الأمور الشخصية والاجتماعية المالية مع شخص آخر، وأيضاً انفصال الوالدين، أو سوء معاملتهم وأحياناً شجارهم المستمر وخلافاتهم وصراعاتهم الدائمة، كذلك سماع قصص الخيانة، وضعف الثقة بالنفس واهتزاز صورة الذات عند المصاب، وضعف الثقة بالقدرة الجنسية ...الخ.
ولعلاج تلك الحالات تنصح الدكتورة حنان باتباع طرق عدة، وذلك حسب خصائص الحالة واحتياجات الفرد، ومنها:
•العلاج النفسي ويتضمن العمل مع المعالج النفسي للتحدث عن مخاوفك وقلقك المتعلق بالزواج، فسيساعدك المعالج على فهم جذور مشكلتك وتطوير استراتيجيات للتغلب عليها.
•العلاج السلوكي الاجتماعي حيث يهدف إلى تغيير الأنماط السلوكية والتفكيرية السلبية المرتبطة برهاب الزواج، إذ يمكن أن يتضمن مهام تعريفية تساعدك على التعامل مع مواقف الزواج بشكل أفضل.
•العلاج بالأدوية، إذ إنه في بعض الحالات، يمكن أن تكون الأدوية المضادة للاكتئاب أو مضادات القلق مفيدة للتحكم في أعراض رهاب الزواج.
•التعرض التدريجي وهي تقنية تتضمن التعرض أو التدريب على مواجهة مخاوفك تدريجيًا، فيمكن أن يكون هذا النوع من العلاج فعالًا لمساعدتك على تخفيف القلق تجاه الزواج.
•التدريب على مهارات التواصل والعلاقات: فتعلم مهارات التواصل الفعّالة وكيفية بناء علاقات صحية يمكن أن يساعد في التغلب على رهاب الزواج.
• دعم الأصدقاء والأسرة، إذ إن الحصول على دعم من الأشخاص المقربين منك يمكن أن يكون له تأثير كبير في التحسن.
•التدريب على التفكير الإيجابي، فمن الضروري تعلم كيفية تحويل التفكير السلبي إلى إيجابي وكيفية التعامل مع التوتر والقلق.
مختتمة بقولها: من الجدير
بالتنويه، أن علاج رهاب الزواج يحتاج إلى وقت وجهد، ولا يوجد حل سريع له، لذا يجب الالتزام
والتعاون مع المحترفين والمختصين بهذا المجال.