مهدي هندو الوزني
دائما "ما يحاكي المبدع في نتاجه الإبداعي لشيء ما، سواء كان ماديا أو حسيا، أو رمزيا"، كذلك شأن المبدع الموسيقي الذي يستلهم أفكاره الموسيقية من منابع خارجية كالطبيعة مثلا لتكون فضاء لانفعالاته التي يسجلها عبر متخيل جمالي لبث صورة جمالية للمتلقي/ السامع والمشترك معه بهذا المتخيل عن طريق التصور الذهني والمتوافق مع الواقع.
ومن الميلوديات التي أنتجها المتخيل مقطوعة "سولاف" الموسيقية لمؤلفها غانم حداد، التي حاكى بها الطبيعة متمثلة بمصيف سولاف، وهو أحد مصايف شمال العراق، ولو رجعنا إلى عنوان المقطوعة والذي يعتبر باب الدخول لعوالم النص الموسيقي نلحظ أنه يتكون من مقطعين (سيل + آف) وتعني بالكوردية "الماء المتدفق".
ومن هنا ومن العنوان اشتغل حداد على المتخيل في تشكيل جمالي لتصوير هذا الماء المتدفق، فتبدأ مقطوعته الموسيقية بسلم نغمي هابط من نغمة (الر) جواب إلى نغمة (الر) قرار ربما أراد حداد أن يصور تدفق الماء من هذه الصورة النغمية لتتشكل صورة تخيلية ذهنية لدى المتلقي الذي يشترك هو الآخر في متخيل ذهني لتصور الطبيعة، وبذلك سوف يتحقق التعادل الدلالي بين ما ألفه حداد من جمل موسيقية متخيلة وما فهمه المتلقي/ السامع منها.
وهكذا تتوالى الصور النغمية المتخيلة في هذه المقطوعة الموسيقية لتجسد معالم مصيف سولاف الطبيعية والجميلة، لقد ألف حداد مقطوعته الموسيقية من مقام (البيات) وهو مقام يجسد الفرح والمرح وهذا ما ناسب الفكرة العامة للمقطوعة، كذلك اختار لها حداد ايقاع (الملفوف) وهو من الايقاعات الراقصة ومن ميزان 4/2 لتكتمل معه فكرة تجسيد جمال الطبيعة في مصيف سولاف، ولأن مصيف سولاف يحتوي على جماليات طبيعية متعددة مثل الأشجار الكثيفة والماء المتدفق والصخور المتعددة الأشكال وغيرها، حاكى حداد هذا التعدد الجمالي باستخدامه النغمات العارضة والتي وظفها بهدف التلوين النغمي ليعادل التلوين الجمالي الطبيعي، كذلك وظف حداد التبادل النغمي بين الجواب والقرار للنغمة الواحدة، ربما أراد من هذا التشكيل الجمالي أن يجسد صعود الجبل بخطوات متعاقبة.
لقد تمكن الموسيقار المبدع غانم حداد من خلال المتخيل الميلودي لمقطوعته الموسيقية سولاف أن يخلق تواصلا بين الصورة الذهنية المتشكلة لديه والصورة الذهنية التي تشكلت لدى المتلقي/ السامع، وكما أسس لها عالم النفس "فرويد" في دراساته المتعلقة بالعقل الباطن من أن الصورة الذهنية نتيجة لدينامية الذهن الإنساني إبداعا فنيا واستيعابا
فهميا.
لقد اشتغل الموسيقار غانم حداد بآليات التشكيل النغمي من مقام وإيقاع وتنقلات ليعبر عن المشهدية الجمالية الموجودة في مصيف سولاف ويقربها للمتلقي/ السامع، وجمع بذلك في هذا الميلودي بين الواقع
والمتخيل.