قاسم موزان
تصوير: احمد جبارة
يحرص المعلنون في إعلاناتهم المرئيةعلى الترويج لسلعهم وخدماتهم التسويقية، باعتماد أسلوب الجذب والاستقطاب للجمهور المستهدف بأكثر من طريقة مثيرة، سواء في الشوارع العامة أو تقاطعات الطرق أو على منصات التواصل الاجتماعي، لزيادة مبيعاتهم بالتنافس مع مسوقين آخرين، إلا أن الملاحظ من منذ فترة غير قصيرة، توجه المعلنين إلى استخدام اللهجة العامية في الإعلان المرئي وإهمال اللغة العربية.
مثقفون أكدوا أن هذا الأمر يشكل تهديداً لسلامة اللغة الأم، والحفاظ عليها من غزو المفردات الدخيلة، ويدافع البعض بأن الإعلان باللهجة الشعبية المعتادة يساعد على الانتشار، فضلاً عن أنه ليس منصة تعليمية، لترسيخ مفاهيم أكاديمية، ونحن نتساءل أين سلامة اللغة العربية وأبعادها عن التشويه.
لعبةٌ استراتيجيَّة
في هذا الصدد، أشار الناقد علوان السلمان إلى أن النص الإعلاني تصميم ذكي، ينم عن وعي صاحبه ومعرفته بالانتماء المجتمعي، حيث يعدُّ نصاً محسوباً بدقة، يتلاقى فيه الأدب والتسويق ليشكلا مزيجًا فريدًا يتغلغل ليصل إلى أعماق وعي المتلقي، فيثير الشغف فيه والاهتمام بما هو معلن، وهو لعبة استراتيجية تجمع بين الأناقة اللغوية وفن الإقناع، لتضفي على المنتجات والخدمات بريقًا لامعًا يجذب الأنظار، وبالتالي القدرة على تحقيق الأهداف التجارية وجذب المستهلك، لأنه مهارة تسهم في ترويض العواطف وتوجيه سلوك المستهلك.
وأضاف السلمان: لذا يتوجب استخدام لغة يومية جاذبة باستخدام ألفاظ موحية، بعيدة عن التقعر والضبابية، ما يسيء للغة والذوق، ويكشف عن جهالة الكاتب، كون الكتابة الإعلانية فنًا يجمع ما بين الأدب والتسويق، وهذا يتطلب كلمات تثير الانتباه وتحفز المستهلك للانجذاب صوبه، فضلاً عن التركيز والتكثيف، واختيار نوع الخط المناسب الكاشف عن نوع الخدمة، من أجل تحقيق إشارة إعلانية مختصرة جاذبة للجمهور ومحققة لأهدافها.
ظاهرةٌ دخيلة
أما القاص عبد الكريم المصطفاوي فأكد، أن ظاهرة استخدام اللغة العامية في الإعلانات تفشت وأصبحت من السمات المميزة لها في العقدين الآخرين في العراق.
وأضاف: أن المتتبع لهذه الظاهرة يجد أنها دخيلة على ثقافة توظيف اللغة العربية أينما حلت، لافتاً إلى أن لهذا الأسلوب جوانبه الإيجابية التي لها علاقة بالتسويق والربح المادي، وأخرى سلبية تجعل اللغة العامية أمراً مستساغاً وطبيعياً، لا سيما للنشء الجديد الذي يفتح عينيه عليها، معتقداً أن هذا هو الأصل، إذ يبدو أن أصحاب الإعلانات ومسوقيها قد استوردوا هذا من بعض البلدان الأجنبية والعربية التي اتخذت اللغة المحلية البسيطة طريقاً للوصول إلى عقل وقلب الزبون.
واختتم المصطفاوي "نرى أن متابعة ومراقبة هذه الإعلانات من مؤسسات حكومية رصينة أمر مهم، لكي لا تسير الأمور نحو الانفلات".
تطعيم الإعلان
الكاتب عباس الصباغ، بين أن "لغة الضاد عانت في عصر العولمة من انحدار مريع في الذائقة اللغوية من ناحية عدم استخدام اللغة العربية الفصحى في التعامل اليومي كلغة أم، وانسحب الأمر على الإعلانات بجميع أشكالها ومواضيعها وطرائق تشكيلها، والمفترض أن تكون ضمن السياق العام كمتعاطين للغة العربية، وأن تكون هذه الإعلانات بلغة عربية فصحى، ومفهومة للجمهور بأقل ما تكون عليه، والابتعاد عن اللبس وازدواج المفاهيم وتعثر تكوين المعاني في العقول التي هي ليست على مستوى واحد في الإدراك، والابتعاد عن اللغة الدارجة، أي لغة الشارع قدر الممكن لتعكس المستوى الحضاري للبلد".
يضيف الصباغ، أنه "لا بأس في تطعيم الإعلان بشيء من العامية مادام الإعلان يتعامل مع شريحة واسعة من الناس على أن يكون الإعلان بسيطاً ومفهوماً ومقبولا، ولا ينحدر إلى مستوى الركاكة والانحدار، كما يحصل في بعض الأحيان والأمثلة لا تحصى".
سلامة اللغة
بدوره قال الناقد مالك المسلماوي، أن "اللهجة العامية تبدو قادرة على الوصول بشكل أسرع إلى الجمهور، والعمل التجاري يبحث عن الوسيلة بغض النظر عن نوعها، فاللغة الأم تخاطب النخبة والمحلية، وتصل إلى قاع المجتمع، لا يمكن الاستغناء عن اللهجة المحلية في كل المجتمعات وحتى المتقدمة، ونحن نحب لغتنا العربية لكننا نمارس العامية في حياتنا اليومية، وتبقى اللغة والفصاحة لغة الحوارات والإعلام، والمجالس الأدبية والمناسبات الثقافية، ومن حقنا هنا أن نحقق ونحرص على سلامتها".
انحراف المفردات
المواطن علي طالب أعلن تحيزه شبه التام لجانب استخدام اللهجة الدارجة في الإعلانات التسويقية، بوصفها قريبة من ذهن الجمهور وبعيدة عن التعقيدات اللغوية، لكنه استدرك قائلاً: إن "هناك مفردات تدرج في الإعلان المرئي من دون التمعن في معناها أو جذرها المستورد".
أما المواطن عبد الرزاق الربيعي فدافع بشدة عن كينونة اللغة العربية وبلاغتها وصورها الإبداعية، وهي ليست قاصرة عن كتابة نص إعلاني بلغة مفهومة بعيداً عن التوغل في المفردات الصعبة التي تصعب على المتلقي، ويرى أن الإعلان واجهة لبلد تؤكد تمسكه بلغته الأم التي تربى عليها.
وأضاف "كيف يستطيع الزائر العربي فهم إعلان مكتوب غارق بالشعبية".