{أصدقاء الشيطان}.. إشكاليَّة الخلود بين الرواية والفيلم

ثقافة 2024/11/04
...

  حسن الكعبي 


 حاول الفيلم العربي "أصدقاء الشيطان" الذي مثل فيه نور الشريف وفريد شوقي ومديحة كامل وآخرون، وأخرجه احمد ياسين، وسيناريو وحوار ابراهيم الموجي الحفاظ على الثيمة الفلسفية المتضمنة في سردية نجيب محفوظ "جلال صاحب الجلالة"، المأخوذ عنها الفيلم وهي الحكاية السابعة ضمن "ملحمة الحرافيش"، لكن وبالرغم من الاحترافية العالية في صناعته، إلا أنه لم يستطع أن يبرز الثيمة الفلسفية الكبرى المتضمنة في سردية (جلال) كما أبدعها نجيب محفوظ .

 استهل الفيلم بفكرة الخلود مع موت قمر (صابرين) في ليلة زفافها وتتعاظم الفكرة عند جلال (نور الشريف) بعد تعرضه للطعن من قبل الزنديق (سيد زيان)، الفتوة الذي تسبب بموت قمر واستطاع جلال أن ينتقم منه بأحداث عاهة مستديمة في إحدى عينيه، اضطرته للاحتجاب، وتبوأ جلال مكانه في الفتونة التي من خلالها يحاول أن يؤسس للعدالة واستعادة وقف جده أبي خطوة من استيلاء نبلاء الحارة وحرمان الحرافيش من ريعه وفي إطار محاولته لإدامة العدالة يبدأ جلال رحلة البحث عن الخلود، فتدله عشيقته زينات (مديحة كامل) على الساحر شاور  (فؤاد خليل ) الذي يخبره بأن لا سبيل للخلود إلا بمؤاخاة الشيطان والخضوع لسلطانه فيقبل جلال بهذه المشترطات، إذ يعتكف داخل الكهف لعام كامل تتبدل خلاله الأوضاع في الحارة بعد سيطرة حسان ابن الزنديق (مصطفى متولي) عليها.

يتمكن جلال بعد امتلاكه لقوى مضاعفة أن يطهر الحارة من هيمنة الفتوات وإعادة الحقوق للحرافيش، إلا أن نبلاء الحارة يتآمرون عليه من خلال إثارة غيرة عشيقته زينات التي تدس له السم في ليلة زفافه على بنت المأمور، فيقضي نحبه ويعرف والده عبدة الفران (فريد شوقي) بالمكيدة فيطعن العطار الذي حرض على قتل ولده ويتكفل الحرافيش بقتل بقية النبلاء الضالعين بالمؤامرة ضد جلال وينتهي الفيلم بقول عبدة الفران (إن الجسد يموت، لكن تبقى الأفعال الطيبة خالدة) في إشارة إلى خلود جلال ونجاحه في مسعاه حتى بعد موته.

تكمن الإشكالية ضمن الطرح السينمائي من خلال تعريف المشاهد بأن جلال شخصية متدينة مأخوذة بتحقيق العدالة وهذه الخصائص يعمقها الفيلم إلى النهاية التي تغلق دائرة الشر وانتصار مفاهيم العدالة التي دشنها جلال في حياته وبعد موته، وهنا مكمن الثغرات في بنية السيناريو، فالمقدمات والنهاية تتقاطع مع حتميات القيم والتسلسل المنطقي الذي قامت عليه فلسفة نجيب محفوظ ضمن منطوق ملحمة الحرافيش وضمن حكاية جلال بالذات التي رسم لها محفوظ بعداً نفسياً يسهم بإقناع المتلقي بالتغيرات والتحولات في شخصية جلال فحكاية جلال عند محفوظ تبدأ مع نهاية حكاية (شهد الملكة) وبموت زهيرة - الزوجة اللعوب وأم جلال- على يد زوجها الأخير محمد أنور الذي هشم رأسها أمام مرأى ابنها جلال .

إن مشهد تهشيم رأس زهيرة يسيطر على مخيلة جلال ويؤسس داخلها تصورات، تؤشر إلحاده واستعداده لمؤاخاة الشيطان، بمعنى أن استعداد جلال لبيع نفسه للشيطان جاء بمعونة من ذكرى مقتل والدته، وتعمق لديه مع موت محبوبته قمر، فسردية جلال تبدأ مع تساؤلاته (كيف تأتى لهذه القسوة أن توجد، كيف أمكن أن يلقى جمال نبيل تلك النهاية البشعة؟ ...... إن أمل استرجاعها ذات يوم لا يخبو في قلبه) تكشف تساؤلات جلال عن عشق أوديبي لوالدته زهيرة، كما أنها تكشف عن اعتراضه على القوانين الكونية ضمن مسألة الموت وهذا ما يجعله مستعداً للخلود مهما كان وكيفما كان .

تقوم فلسفة محفوظ على خلاف الرؤية السينمائية على مبدأ أخلاقي يؤكد أن طريق الشيطان لن يؤدي إلى تكريس مفاهيم جمالية، إنما مفاهيم قبحية، لذلك فإن جلال يتحول إلى شخصية مستبدة ويلقى نهاية مأساوية وعلى مرأى من الحرافيش الذين يرون في هذه النهاية نهاية عادلة للاستبداد والهيمنة والاستغراق في الملذات وتناسي القضايا الأساسية التي تسهم في إصلاح وضع الحارة والتي طرأت على نفسية جلال بعد عودته المشؤومة من الاعتكاف بالكهف وبيع نفسه للشيطان.