العراق يحمل قضايا الأمة من إسطنبول إلى الرياض
بغداد: هدى العزاوي
شيماء رشيد ومهند عبد الوهاب
وعمر عبد اللطيف
تلقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني دعوة للمشاركة في القمة العربية – الإسلامية التي ستعقد الأسبوع المقبل في العاصمة السعودية الرياض، بشأن تطورات الأوضاع في قطاع غزة ولبنان في ظل استمرار العدوان الصهيوني، وتوقع مراقبون للشأن السياسي، أن يجدد السوداني في القمة موقف العراق الرسمي المعلن في ثباته ودعمه لحقوق الشعبين الفلسطيني واللبناني في الدفاع ضد الهجمة الصهيونية، والذي سبق أن أعلنه رئيس الوزراء قبل أكثر من عام وشدد عليه في مختلف لقاءاته الدبلوماسية الخارجية والداخلية.
وتلقى رئيس الوزراء، أمس الأحد، دعوة رسمية من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، للمشاركة في قمّة عربية - إسلامية تستضيفها الرياض بشأن تطورات الأوضاع في غزة ولبنان واستمرار العدوان الصهيوني، ونقل الدعوة السفير السعودي لدى بغداد عبد العزيز الشمري.
وأفاد بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، تلقته "الصباح"، بأنه جرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية وسبل تنميتها وتطويرها في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية، والتأكيد على تنسيق المواقف ومواجهة التحديات الراهنة، بما يحقق المنفعة لمصلحة الشعبين الشقيقين.
قمة الرياض
ورأى برلمانيون وسياسيون، أن رؤية العراق التي عبّر عنها السوداني بشأن العدوان على غزة وتحذيراته السابقة من توسع الصراع، يتمثل بالحراك الذي يجري في العالم الآن لوقف العنجهية والإجرام الصهيوني.
وقال النائب علاء سكر، في حديث لـ"الصباح": إن "دعوة رئيس الوزراء إلى القمة الاسلامية أمر إيجابي ودليل على أهمية العراق التاريخية والإسلامية في تشكيل تحالف واضح من العلاقات الدبلوماسية في المنطقة، لاسيما أن العراق يحظى برؤية توازن بين علاقاته مع كل الدول العربية والإسلامية لأنه كبلد وشعب يحتضن قيماً إسلامية راسخة".
وأضاف، أن "هذه الدعوة تعتبر فرصة جيدة لبناء علاقات دبلوماسية جيدة وإيجابية مع بقية العواصم، ودليل على أهمية الدور الذي يلعبه العراق في قضايا الأمة الإسلامية وما قدمه من تضحيات كبيرة للأمتين العربية والإسلامية، لاسيما في غزة ولبنان اللتين دعمهما العراق بتوفير كل الخدمات الأساسية لشعبيهما الشقيقين". ويرى عضو مجلس النواب ضياء الهندي، أن مشاركة السوداني في القمة المرتقبة، تأتي في إطار جهود العراق لتعزيز دوره الريادي في دعم السلام وتقديم المساعدات الإنسانية للشعوب المتضررة، وسط مساعٍ مشتركة للتخفيف من آثار النزاعات وتعزيز استقرار المنطقة.
وقال الهندي في حديث لـ"الصباح": إن "العراق يلعب دوراً أساسياً في مواجهة التحديات التي تواجه الدول الإسلامية، لاسيما في ما يتعلق بالأوضاع الإنسانية الحرجة في لبنان وغزة".
وأضاف، أن "العراق يتبنى نهجاً داعماً للسلام والاستقرار، ويعمل جاهداً على تقديم الدعم الإنساني واللوجستي للشعوب المتضررة من النزاعات، في خطوة ترسِّخ مكانته كدولة ريادية في مساعي تحقيق الأمن والتضامن الإقليمي." وأشار، إلى أن "رئيس الوزراء يسعى من خلال حضوره في هذه القمة إلى دعوة الدول الإسلامية إلى التكاتف من أجل تخفيف معاناة الشعوب وتقديم الحلول السلمية"، وبين أن "العراق يؤكد التزامه بلعب دور أكبر في تهدئة الأوضاع ومنع تصاعد الصراعات، مشدداً على أهمية تبنّي سياسات معتدلة تقلل من معاناة المدنيين".
وتأتي هذه القمة في وقت يشهد فيه العالم الإسلامي ظروفاً معقدة، حيث يتطلع العراق إلى دعم مسار الدبلوماسية والحلول السلمية التي تُسهم في استقرار لبنان وقطاع غزة، وأكد الهندي أن "العراق سيواصل جهوده لتعزيز التضامن والعمل المشترك بين الدول الإسلامية من أجل مستقبل آمن ومستقر لشعوب المنطقة، متطلعاً إلى نتائج مثمرة لهذه القمة تُسهم في وضع حلول واقعية ومستدامة للأزمات الإنسانية والسياسية الراهنة".
رئيسة كتلة "تيار الفراتين" في مجلس النواب، رقية رحيم النوري، أكدت في حديثها لـ"الصباح"، على "أهمية هذه القمة في توحيد المواقف العربية والإسلامية وتعزيز التضامن المشترك لمواجهة التحديات الراهنة التي يمر بها الشعبان الفلسطيني واللبناني"، معربةً عن أملها بأن "تتضمن نتائج القمة خطوات فعلية لدعم الأشقاء ونصرة الشعوب المستضعفة".
ودعت النوري - من منطلق المسؤوليات الوطنية والدينية -إلى "توسيع الجهود الإقليمية والدولية من أجل إنهاء هذا العدوان الغاشم، ودعم كل مبادرة تسعى لتحقيق الاستقرار والعدالة".
لقاء إسطنبول
غير بعيد عن أجواء قمة الرياض؛ كان رئيس الوزراء، بحث يوم الجمعة الماضي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توحيد المواقف إزاء التطورات الخطيرة في المنطقة، وذلك خلال زيارة رسمية ليوم واحد التقى بها السوداني أردوغان في قصر وحيد الدين بمدينة إسطنبول التركية.
ووفق بيان حكومي، فإن الجانبين أجريا مباحثات اشتملت استعراض آخر التطورات التي تشهدها المنطقة، والتهديد المتزايد للسلم والاستقرار الذي يشكله الكيان الصهيوني، بعدوانه المستمر على غزّة ولبنان، والاعتداءات التي طالت عدة دول في المنطقة.
وأوضح البيان، أن "السوداني والرئيس أردوغان بحثا توحيد المواقف إزاء هذه التطورات الخطيرة، وما تمثله من تحدٍ، وحثِّ الدول العربية والإسلامية والمنظمات الدولية والأممية على دعم الجهود والمساعي الرامية إلى وقف إطلاق النار، وتسهيل عمليات الإغاثة وإيصال المساعدات إلى المنكوبين جرَّاء العدوان، وإطلاق جهود الإعمار، وحماية الوجود الفلسطيني على أرضه التاريخية". وبشأن زيارة السوداني إلى تركيا، قال رئيس كتلة "النهج الوطني" وعضو لجنة النزاهة النيابية، أحمد طه الربيعي، في حديث لـ"الصباح": إنه "خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء إلى تركيا تمت مناقشة ملفات تحظى باهتمام كلا البلدين، أهمها مشاركة تركيا في (طريق التنمية) فضلاً عن الشراكة التجارية التي تضع العراق كشريك تجاري ثالث مع تركيا بعد إيطاليا والولايات المتحدة، وغيرها من الملفات المهمة التي تحظى باهتمام كلا البلدين".
ولفت الربيعي، إلى أن "الزيارات الخارجية وتوطيد العلاقات؛ تؤكد على الدور المحوري الذي يلعبه العراق وموقعه الجيوسياسي الذي يمكِّنه من أخذ دور قيادي لإيجاد حلول لما تمرُّ به المنطقة من مشكلات ولاسيما حرب غزة ولبنان".
من جانبه، أشار المحلل في الشأن السياسي علي البيدر، في حديث لـ"الصباح"، إلى أن "زيارة رئيس الوزراء إلى تركيا في هذا التوقيت ومحتواها مهم جداً، خاصة أن المنطقة تعيش في حالة من القلق بسبب عدم استقرار الأوضاع الجارية في لبنان وغزة".
ولفت، إلى أن "هذه الزيارات بحثت في التعمُّق بجملة من الموضوعات المشتركة منها (طريق التنمية) والاتفاقية القائمة بين البلدين والبنى التحتية واستصلاح الأراضي الزراعية والمياه، وكل هذه الملفات تؤكد على إمكانات العراق في استحضار الفارق الإقليمي بعد النجاحات التي حققها خلال المرحلة السابقة نتيجة لحالة الاستقرار التي يشهدها، وكل ذلك بفضل جهود وإمكانية رئيس الوزراء وإرادته في صناعة واقع عراقي مختلف قائم على الإصلاح لا التغيير أو التعثُّر".
وأوضح، أن "تركيا شريك ستراتيجي تربطه العديد من الجوانب الاجتماعية مع العراق، وهنالك رغبة متبادلة من قبل الحكومتين في توثيق هذه العلاقة وتعزيزها بما ينسجم مع العناصر المشتركة وحسن الجوار والاحترام المتبادل"، وأضاف: "نستطيع القول إن طبيعة العراق وكيفية التعامل مع دول الجوار دليل على القفزة النوعية التي حققها في الملف الخارجي".
أما المحلل والكاتب والسياسي، الدكتور سيف السعدي، فرأى في حديث لـ"الصباح" أن "زيارة رئيس مجلس الوزراء إلى تركيا تهدف إلى التأكيد على ما تم الاتفاق عليه من خلال الزيارات السابقة مثل مشروع (طريق التنمية)، فضلاً عن التأكيد على الدور الريادي والمحوري الذي يتمتع به العراق لإيجاد حلول لما تمرُّ به المنطقة من أوضاع مضطربة لاسيما ما يحدث في غزة ولبنان".
وأضاف، أنه "من خلال متابعة تصريحات الجانب التركي لمسنا أن هناك جدية في الاهتمام بتفعيل الاتفاقيات التي تم الاتفاق عليها في بغداد نيسان 2024، وبالتحديد في مجال المياه والاستعداد لتنفيذ مشاريع البنى التحتية للمياه واستصلاح الأراضي الزراعية، وهذه الملفات تحظى بالأولية بين البلدين، فضلاً عن مناقشة القضايا المتعلقة بمشاركة تركيا بمشروع بطريق التنمية والتعاون الاقتصادي".
الكلمة الشجاعة
العراق اليوم، كما بالأمس، وكما بالغد، كان ومازال وسيبقى حاملاً لهموم وقضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين وحقوق الشعب اللبناني في الدفاع عن بلده وأرضه بوجه الهجمة الصهيونية الإجرامية، وقد أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، موقف العراق الشجاع والمبدئي، وذلك بعد أيام قليلة من اندلاع الأحداث والعدوان على غزة أمام قمة القاهرة للسلام 2023.
كلمة السوداني أمام قمة القاهرة قبل أكثر من عام، وضعت النقاط على الحروف، فهي وإن مثلت موقف العراق المغاير عن غيره من الأشقاء العرب إزاء العدوان الصهيوني على غزة، إلا أن الكلمة أثبتت كذلك استشرافاً تحذيرياً لما نوت عليه حكومة الحرب الصهيونية إزاء غزة ولبنان والمنطقة بشكل عام، ولعلنا نستذكر منها في وصف العدوان على غزة: "إنها جريمةُ حربٍ مُكتملةُ الأركان، بدأت بقتلِ العُزلِ وفرضِ حصارٍ خانقٍ على ما تبقّى من الأحياءِ منهم، إنه لمنَ الصعبِ حقاً أن نصوّرَ بالكلمات، ما يحدثُ يومياً من أعمالٍ فظيعةٍ لا تنقطعُ ومذابحَ لا تتوقف، ودفنٍ للأبرياءِ تحتَ أنقاضِ منازلِهم على أرضِ نزوحِهم الأوّلِ أيامَ نكبةِ عامِ ألفٍ وتسعِمئةٍ وثمانيةٍ وأربعين".
وأكد رئيس الوزراء، أن "غزةَ اليومَ تشكلُ امتحاناً جديداً للنظامِ العالميِّ، الذي فشلَ مراتٍ عدةٍ في تطبيقِ ما ينادي بهِ من قيمِ الإنسانيةِ والعدلِ والحرية، وكانت ومازالت فلسطينُ شاهداً حياً على هذا الفشل".
وقرع السوداني جرس إنذار في القمة قبل عام ونيف بقوله: إنَّ "الكيانَ الصهيونيَّ اليومَ مستمرٌ في خرقِ القوانينِ بما فيها قوانينُ الحرب، وهو ما سيؤثرُ في الأمنِ الدولي واستدامتِه، وقد يمتدُّ الصراعُ إقليمياً بما يهددُ إمداداتِ الطاقةِ إلى الأسواقِ العالمية، ويُضيفُ إلى أعباءِ الأزماتِ الاقتصاديةِ العالميةِ عبئاً آخر، ويفتحُ البابَ على صراعاتٍ أعمقَ وأوسع"... وهو ما جرى فعلياً خلال الأشهر القليلة الماضية.