نصائح طبية غير موثوقة تجتاح صفحات الميديا

ريبورتاج 2024/11/05
...

 حسن جوان

بدأت الظاهرة مع اجتياح فيروس كورونا العالم وسط قصور في المعلومات الطبية عن هذا المرض الذي عطل حركة العمل وملأ النفوس بالهلع، إذ برزت صفحات طبية ونشطت فيديوهات لأطباء يقدمون النصح وطرق الوقاية والتوصيفات الدوائية التي لا تخلو من الترويج لمكملات غذائية باهظة الثمن، ومن هناك انطلقت تناقضات بين محتوى تلك النصائح أفضت إلى فوضى طبية بلبلت المشهد وزادته تعقيداً، لأن بعض تلك النصائح تستند إلى نتائج بحوث لم يتم التأكد منها من قبل منظمة الصحة العالمية.
 لكن هذه الصفحات على وسائل الاتصال المرئية لم تتوقف عند هذا الحد، بل تزايدت وأصبحت مصدر كسب ثانوي للأطباء من حيث الجذب والترويج، لا سيما عندما يتجاوز الطبيب المعني مجال تخصصه نحو تخصصات أخرى قد تكون نتائج المشورة فيها غير دقيقة، ما أفضى إلى عدم اتفاق واضح بين صفحة وأخرى حول التغذية والمكملات الغذائية وكثير من الإجراءات الصحية التي لا نعرف بدورنا من يتحمل مسؤولية الخطأ والضرر الذي قد يتعرض له الناس في حالة الأخذ بتلك النصائح.
بشأن هذا الموضوع تواصلنا مع ذوي التخصص على مستوى الطب، والمستويين النقابي والقانوني، فكان هذا التحقيق الخاص بـ (الصباح).

ممارسة التثقيف الصحي
الدكتور جاسم مطشر ثامر، نقيب الأطباء الأسبق ورئيس مركز الإعلام والقانون الطبي يوضح طبيعة تلك المواقع والموقف القانوني والمهني منها، إذ يقول: إن "الطبيب شخص طبيعي يمارس مهنة مقيدة بقسم ومحددات أخلاقية وقانونية، لا يحق له العمل والحديث خارجها، وهذا هو ما يجب أن يكون ومبادئ آداب المهنة، والقانون ينص على ذكرها والعمل على أساسها".
ومن اختصاصات الطبيب التثقيف الصحي، وهذا يكون بتكليف من الجهات الحكومية أو بتطوع شخصي هو مسؤول عن كل خطأ فيه قد يغرس فكرة خاطئة أو نشر طريقة غير مثبتة علمياً أو تمنعها السلطات الصحية. لذا فإن التثقيف العلمي الرصين وفي أي وسيلة متاحة مسموح به على شرط عدم مخالفة الأنظمة والقوانين والتعليمات والأوامر وقواعد السلوك المهني، وخاصة التي تخصص لجذب المراجعين أو الترويج الدعائي من الوسطاء. ويتابع د. جاسم: أن الترويج الدعائي للأدوية والمؤسسات وطرق علاجية غير معتمدة من المراجع الصحية حتى لو كانت تعتمد بحثاً دراسياً أو علنياً منشوراً، هذا الترويج ممنوع ولا بد من مراقبته من مديرية إعلام الوزارة ومركز إعلام النقابة، وكذلك المنظمات والمؤسسات الرصينة بكل أشكالها، وندعو إلى كشف المحتوى الهابط الذي يقدمه الأطباء المخالفون وغير الأطباء، ومنتحلو الصفة الطبية، وحتى الأطباء الذين يتحدثون بغير اختصاصهم".

مواد قانونيَّة
ويورد د. جاسم مطشر نصوصاً قانونية معتمدة في قانون الأطباء والموقف الذي يترتب على كل مخالفة في ما يتعلق بالسلوك المهني، إذ يضيف: أن "هناك قانون نقابة الأطباء رقم 81 لعام 1984 النافذ في مادته 22 عالج هذه الحالة وعدها ممنوعة يعاقب عليها الطبيب في العقوبات الواردة في المادة 25 من القانون نفسه".
ويشير مطشر إلى دستور المهنة الطبية الملزم للأطباء والذي ينص على (السلوك المهني/ ج العمل الطبي الخاص سابعاً، كاجتذاب المرضى يعد إساءة للسلوك المهني كما هو الحال في استعمال الوسطاء أو نشر مقالات غير مهنية أو نشر لافتات دعائية أو استعمال وسائل إعلام أخرى غير مرخص فيها، والدعاية لشخص الطبيب أو الإيحاء إلى مثل ذلك من خلال أحاديث فيديوية أو توزيع بطاقات ونشرات أو الكتابة خارج المعايير العلمية)، وعرض الطبيب المخالف للعقوبات المهنية النقابية وحتى القضائية. ويتابع "كما أن قانون العقوبات العراقي  رقم111 لعام 1969 النافذ وقانون الصحة العامة رقم 89 لعام 1981 النافذ يعالجان الموضوع كلاً من اختصاصه".
واختتم حديثه، أنه "لعل مراقبة المتحدثين في الموضوع الصحي تعد ضرورة لوقاية المجتمع من الشائعات والأفكار والطرق السيئة المضرة بالصحة النفسية والجسدية، والجينات التي يحملونها والتي قد تؤدي للتشوه الخلقي والتخلف العقلي، وإن اتباع الأخلاق الطبية والقانون ودستور المهنة واجب لا يمكن التساهل به، وهو قد منع الترويج ونقل الأخبار اللاعلمية، ونقترح أن يكون جزءاً من جريمة المحتوى الهابط التي تتبع في قطاعات أخرى".
داء ودواء
الدكتور أحمد نعيم الفتال (بورد جراحة الوجه والفكين)، يقدم وجهات نظر مختلفة في هذا الموضوع، حيث يشير إلى تعقد المشهد الحالي في موضوعة الطب وانتشار وسائل التواصل وصعوبة التفريق بين المحتويات المتناقضة إلا من ذوي التخصص في الغالب.
ويوضح الفتال: أن "كل فكرة يوجد مؤمنون بها ومخالفون، وهذه القاعدة سرت في كل شرائعنا السماوية وغدت منهجاً متوقعاً في الحياة العامة، إذن من باب أولى أن تكون قاعدة حتى في مهنة الطب والجراحة".
وأضاف، أن "الصعب في الموضوع هو التفريق بين ما هو غث وما هو مفيد، وأحياناً يصعب التمييز بينهما وفي الطب تصبح المعادلة أكثر صعوبة وتعقيداً، فمهنة الطب هي أسمى المهن الإنسانية، وأرجو أن تكون مقيدة بالرحمة لا بالقانون وبمبدأ حسن النية قبل كل شيء".

اختصاص دقيق
يتابع الفتال "قد تطور الطب في المئة سنة الماضية تطوراً ملحوظاً، وقفز آخر 50 سنة قفزات نوعية في كل الاختصاصات، وتشعبت فروعه وأصبح أكثر دقة، وما تحول الاختصاصات إلى اختصاصات دقيقة إلا مثال لذلك، إلا أن هذه التشعبات نفسها تعود به إلى الأصل وتبين مدى اهتمام الإنسان بطريقة عيشه وأسلوب حياته وعادات غذائه، ووقت ذهابه إلى النوم ووقت يقظته، قد تبدو هذه الأمور ساذجة بسيطة معروفة، لكنها أساس الحياة الصحية المبنية على جسد سليم، والحديث هنا يطول فكما تطور الطب فهو تنوع فهناك الطب التقليدي المعروف، إلا أن هناك طباً وظيفياً، مسدول عليه الستار، ولا تسلط عليه الأضواء ولا أدري لم لا تتبناه شركات الأدوية؟".
وبين "علماً بأنه لا يحتاج إلى استحداث عقاقير أو إنشاء مصانع للأدوية، هو بكل بساطة عودة للطبيعة بعيداً عن الأمراض التي نتجت بعد التطور والهندسة الوراثية لزيادة كمية وحجم المنتج، وظهور أمراض جديدة كثيرة ينسبها الطب التقليدي إلى ما يسمى أمراضاً مجهولة السبب كالأمراض المناعية".

الوقاية خير
وينصح الدكتور أحمد نعيم بنصيحة عامة تصلح منهاجاً للأشخاص بدل انتظار المزيد من النصائح التي قد لا تكون ضرورية إذا تم التمسك بأسلوب حياة صحية ويقول: إن "بنك الصحة، وأقول من باب أولى علينا الإيداع فيه ما استطعنا عن طريق الطعام الصحي فيغدو الطعام هو الدواء، وإلا سيغدو الدواء هو الطعام، ولا بد من الالتزام بجدول رياضي وماله من دور كبير في صحة الروح والنفس من قبل الجسد وعظامه وعضلاته، كما ضرورة النوم مبكراً وتعتيم الغرفة تعتيماً تاماً والاستيقاظ عند خيوط الفجر الأولى وبعد ذلك يمكننا أن نبقى مستيقظين طوال النهار".
ويختتم "كما علينا أن نشجع نظام الأكل على وجبتين، وعدم الأكل بينهما، والاقتصار على شرب السوائل من ماء وأعشاب لينعم الجهاز الهضمي بالصحة التامة، وعدم اشغاله دائماً بوجبات خفيفة أو ثقيلة فهو الشرطي الأول الوفي والجندي المجهول الأبي أمام الأمراض والآفات التي تنخر بالإنسان والضغط النفسي، وعلى هذا الجندي المتين والشرطي الأمين أن يظل يقظاً ومتأهباً دائماً".