الشيب المبكر بين القلق الاجتماعي وقبول الذات

ولد وبنت 2024/11/11
...

 بغداد: سرور العلي

رغم أن فاطمة رحيم لا تزال في سن الشباب، إلا أنها تعاني من ظهور الشيب المبكر في مقدمة رأسها، ما دفعها إلى شراء صبغات شعر مختلفة في محاولة لإخفاء تلك الخصلات البيضاء. تعبر فاطمة عن شعورها بالحرج والقلق من أن ظهور الشيب في هذا العمر قد يعني بداية التقدم في السن والشيخوخة، وهو مفهوم خاطئ يرتبط في أذهان الكثيرين في المجتمع، في حين أن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة.


من جهة أخرى، لا ينظر أحمد داود، الطالب الجامعي، إلى الشيب على أنه مصدر قلق، بل يرى أن ظهور الخصلات البيضاء يعطيه مظهراً أنيقاً ومتزناً، حيث تصالح مع الشعر الأبيض الذي بدأ يغزو رأسه. في المقابل، يعاني سجاد غسان، الموظف الشاب، من الشيب في شعره، ويحاول القضاء عليه بطرق مختلفة، معتقدًا أنه يعطيه مظهرًا أكبر من عمره الحقيقي، لكنه قرر في النهاية تقبله، ما منحَه شعورًا بالراحة النفسية والسلام الداخلي بعيدًا عن القلق.

وتعتبر المعلمة شيماء نعمة أن ظهور الشيب لا يعني بالضرورة التقدم في السن أو الكهولة، بل هو علامة من علامات النضج. وتدعو إلى ضرورة تغيير المفاهيم المتعلقة بالشيب والظهور على طبيعتنا، موضحة أن الإعلانات التجارية ووسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا في نشر فكرة أن الشعر الأسود هو المعيار الجمالي، بينما يتم إقصاء الشعر الأبيض أو الرمادي. وأكدت أن هناك حاجة للتوعية والتثقيف لتغيير هذه المعايير الجمالية، خاصة مع ظهور مشاهير مؤثرين يعرضون أنفسهم بشعر فضي، ما يعكس تحولًا إيجابيًا في مفاهيم الجمال.

أما الشابة نور علي، فقد واجهت ظهور الشيب في سن مبكرة، تحديدًا في العشرينيات من عمرها، حيث ورثته عن والدتها، التي بدأت تعاني من  المشكلة نفسها وفي العمر نفسه تقريبًا. نور، التي تستخدم الحناء السوداء لإخفاء الشيب، تقول: "في البداية كنت أشعر بالحزن والتردد بسبب تعليقات صديقاتي في الجامعة، التي كانت تتضمن أحيانًا التنمر والسخرية. ولكن الآن، تعلمت أن أقبل هذا التغيير، ولم يعد يؤثر فيَّ ما يقوله الآخرون."


• الأسباب الطبية

توضح د. حنان ياسين محسن، دكتورة في المناعة، أن الشيب المبكر قد يكون مؤشرًا على حالة صحية يجب الانتباه عليها. وقالت: "أحد العوامل الرئيسة التي تسهم في ظهور الشيب المبكر هو العامل الوراثي. إذا كانت هذه الحالة موجودة في العائلة، فلا داع للقلق، حيث إن الوراثة تلعب دورًا كبيرًا في تحديد ظهور الشيب. في هذه الحالة، لا يوجد نقص معين في الجسم يحتاج إلى تعويض، ويمكن اللجوء إلى صبغات الشعر الطبيعية مثل الحناء أو مستخلصات النباتات."

وتابعت "لكن إذا كان ظهور الشيب غيرَ مبررٍ أو نادرا في العائلة، يجب إجراء فحوصات طبية للتأكد من السبب وراء هذه الحالة. فقد يؤدي نقص بعض العناصر الغذائية مثل فيتامين B12 والنحاس إلى ظهور الشيب المبكر. كما أن الأمراض المتعلقة بالغدة الدرقية والجهاز المناعي قد تسهم أيضًا في ذلك، حيث تؤثر هذه الأمراض في إنتاج الصبغة المسؤولة عن لون الشعر. في هذه الحالات، يعتمد العلاج على التشخيص الدقيق وتحديد العلاج المناسب".


• التدخين

وأضافت د. حنان: "يعد التدخين من الأسباب المؤثرة أيضًا في ظهور الشيب المبكر، حيث إن التدخين يؤدي إلى نقص كمية الأوكسجين المتاحة لخلايا الجسم، بما في ذلك خلايا الشعر. كما أن التوتر النفسي والضغط العصبي قد يلعبان دورًا كبيرًا في تسريع هذه العملية. لحسن الحظ، بمجرد التوقف عن التدخين وتجنب التوتر، يمكن أن يعود الشعر إلى لونه الطبيعي."


• تساقط الشعر

وأشارت د. حنان إلى أن هناك حالات أخرى مرتبطة بظهور الشيب المبكر، مثل الأشخاص الذين يعانون من تساقط الشعر ويتلقون علاجًا مكثفًا باستخدام الزنك. على الرغم من أن الزنك يساعد في علاج تساقط الشعر، إلا أنه قد يسهم في نقص النحاس، مما يؤدي إلى ظهور الشيب. لذا، يجب التوقف عن تناول الزنك، ويمكن يتم تناول مكملات تحتوي على النحاس وفيتامين B12 لاستعادة لون الشعر الطبيعي.

إن الشيب المبكر لدى الشباب ليس مجرد علامة على التقدم في السن، بل قد يكون ناتجًا عن عوامل وراثية أو صحية تحتاج إلى فحص وعلاج. وفي المجتمعات التي تروج لمعايير جمالية ثابتة، يعتبر الشيب موضوعًا مثيرًا للقلق والحرج، لكن مع زيادة الوعي وتغيير المفاهيم الاجتماعية حول الجمال، يمكن أن يصبح الشيب جزءًا من مفهوم النضج والتجربة، بدلاً من أن يُنظر إليه كعلامة على الشيخوخة.