كاظم غيلان
ولد الشاعر والمثقف العراقي (كاظم لاله علي) على أرض محلة شعبية عراقية، إلا أن من تولوا حكم هذه الأرض من (الحاكمين البغايا) ناصبوه العداء فكان لهم أن يبعدوه والآلاف من العراقيين إلى إيران بتهمة التبعية ذات شتاء قارس مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
ظل كاظم الشاعر المهموم بقضايا الشعر والإنسان يدور في فلك الدهشة والاسئلة، حتى بعث لأحد الأصدقاء لعله يعينه بتحديد شكل ولون غربته، التي هي في كل الأحوال لاتشبه غربة (ابو ذر) ولا (سلمان الفارسي).
بعد سنوات من مرارة التهجير القسري وبضغوطات دولية عاد كاظم ومن معه إلى العراق، لكنها كانت تشبه إقامة مؤقته، إذ اعيد تسفيرهم ثانية أثر تفجير المستنصرية مع أن كاظم كان الشعر وحده يتفجر بداخله، وهكذا رمي على الحدود ثانية وكأن الأرض كلها(ربذة) وكان ذلك نهاية السبعينيات مع أجواء التهيئة لحرب مع إيران امتدت لثماني سنوات كان خلالها ماراثون مهرجانات الشعر تطلق زعيقها ولم يعد كاظم الا بعد سقوط النظام الذي مارس بربريته معه، وهكذا افنى سنوات شبابه منفيا، فكان غريبا.
كتب كاظم لاله قصيدته (مرثية شارع المعارف) يوم التهمته نيران حريق كبير أدت لهدم مسقفاته واستبدال اسمه بـ(شارع التربية) جاء في واحد من أبياتها:
(الخيال شما اندفن
يعله على اترابه)
هذا شعر غريب، غير مألوف، ولكاظم قصائد أخرى افصحت عن حداثة مضامينها واشكالها كـ(ريح وخشب تابوت)، (مغبشه)، (رسالة إلى انسان نص عراقي)، كانت الحداثة بالنسبة له فعلا ثقافيا يشبه الضوء، وهكذا كان في الشعر بين مجايليه غريبا أيضا.
ولع كاظم بالكتاب مبكرا، وحتى سنواته الأخيرة، لا تفوته زيارة معارض الكتاب في العراق واينما تقام، وشغف جدا بقراءة التاريخ، قرأ حتى تاريخ الحكومات التي قمعته ليفضح سياستها الهوجاء التي لاتنتمي الا لعصور ماقبل الصناعة.
مسيرة كاظم شاعرا وانسانا ظلت محط احترام الجميع لما فيها من نقاء، وبرغم ماحصل له من حيف وظلم لم يدع النضال كما فعل ويفعل العديد ممن امضوا أعمارهم في أحضان المؤسسة، كان كاظم يؤكد ولاءه للشعر، الشعر كقيمة جمالية وطنية عالية، فلم يكن الشعر بالنسبة له وسيلة للارتزاق وبهرجة ادعاء لريادات زائفة محشوة بالتبن، أصوات بلا أصداء سوى ضجيج يفصح عن تخلفها الفني وتخبط مواقفها.
توقف قلب هذا الشاعر ودفن في تربة عراقية ظلمته كثيرا، تاركا صدى سيرة فيها من الناصع الكثير والكثير.