غريب أرهقه الانتظار في المحطات الباردة

ثقافة شعبية 2024/11/14
...

 سعد صاحب 


كاظم لاله واحد من شعراء تيار الوعي الجديد، الرافض للأفكار الشعرية الساذجة، المخالف للأصوات المبحوحة المرتبكة، الناقم على القصائد الخالية من الاسرار والسحر والطلاسم والجنون، والباحث بشكل دؤوب، عن المجازفة والصعاب والتحدي والتميز والاكتمال والدراما واليقين، وهو من جيل شجاع لا يبالي، بالعقاب والنفي والطرد والحصار والاستهجان والضغط النفسي والمعارضة، وتتجلى تلك الشجاعة بشكل واضح، بالخروج على السلطات الظالمة، سواء كانت شعرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، والاحتكام إلى سلطة العقل والضمير والحق والانسانية والايمان والواجب.(حزنان جفني بلا كحل/ مامش كحل واشريله/ وما بيع حزني للنذل/ لو گطعوني الليله). جيل الستينيات ثائر ومتمرد ومجنون، يعشق المغامرة ليس من اجل المغامرة، ويحب المشاكسة ليس من اجل المشاكسة، وانما لاجل التجريب والخبرة واكتشاف المجهول، والاطلاع على ما خفي من الامور، وحتى على مستوى الانتماء الفكري، الشاعر لا ينتمي الا للعقيدة المتطابقة نفسيا مع افكاره، ورؤاه واشتغالاته وتطلعاته الابداعية، والنظرية السياسية لا تختلف كثيرا عن القصيدة، فهي قابلة للهدم والبناء، وتشخيص الهفوات والشطب والتصحيح، وكل فكر حر في العالم لا يتطور، ما لم يؤمن بالمرونة والتغيير والنقاش والتعديل.(هلي النجمه البعيده/ يسبگهه ضواهه من تريد اتطيح). معظم الاسماء اللامعة في هذا الجيل يرفضون المجاراة، لكونها تعطل الابداع، وتقلل من طلاقة الملكة المتوثبة، وتحد من النبوغ والعبقرية والاستيعاب الذهني وحب الاكتشاف، والقبول بالآراء العقيمة، التي تريد من الشاعر ترك المكان المفتوح، والسير على سكة ضيقة، وكل ما تسعى اليه وما تريده، قمع خلجات الروح الخاصة، والانصياع التام للمسؤول الاعلى في مختلف المجالات، وهذا الامر لا يتم مهما تكون الخسائر.(سرحت المهره بحزن خيالها/ وشبت بلون النعاوي ارمالها/ مالت ويه الريح گمره شما تميل/ ينرسم ويه رسنهه اهلالها/ لنهه ويه الگاع شمسين وگمر/ اتسولف النجمه ابعشگ موالها). 


حالة اخفاق 

يمر الشاعر بحالتين في عالم الكتابة، الحالة الاولى حالة الانطلاق : لاثبات القدرة في الساحة الشعرية، الضاجة بكثرة الاصوات، المتنافسة ما بينها للحصول على قوة الحضور والركوز والتفوق والجدارة، وهذا الامر يتوقف على المبدع اساسا، بما يقدم من نصوص حداثية مغايرة، لما موجود من كتابات عادية، والاستمرار في العطاء مهما كانت الظروف، والالتفات لكل تطور شعري جدير بالمتابعة والبحث والاهتمام، عسى في ذات يوم، ينقذ القصيدة من الترهل والتكرار وتدوير المعنى والاقتباس.(لا محراب يفتح باب/ لا سر انوجد بكتاب/ ما تصعد صلاة الطين/ هدهد طين/ لا يحمل ابشاره ولا يصل للماي). والحالة الثانية حالة الاخفاق : المتمثلة بالتقاعس والبرود وقلة الحيوية والنشاط والكسل، وكثرة التسويف والفتور، والاداء الشعري الضعيف قياسا بالسابق، والابتعاد عن اماكن تواجد الادباء وانكسار الطموح، وعدم اكمال القصائد وتركها على هيئة مسودات مبهمة، أو أوراق غير مفهومة الكلمات، مبعثرة في غرف البيت المتآكلة الجدران، وبعد ان كان الشاعر ينجز العديد من الاعمال في وقت واحد، بات لم يكمل الاشياء الضرورية، وربما مات بداخله حافز الابداع، وماتت العديد من الافكار المهمة، فضلا عن الاحساس الموجع بعدم جدوى الكتابة، وغياب الافكار المثيرة وشحة الصور الجديدة.(امشي للوادم شمس/ تعرگ الگصه ويركض الدم ابشراين الزلم/ أوغني للوادم قصيده). 


قصيدة نثر 

أشعار كاظم لاله تشبه قصيدة النثر الفصحى، فهي خرساء بلا صوت أو ضجيج، وهي بالضد من الصخب والتهريج والرنين، بحسب قول الشاعر المصري احمد عبد المعطي حجازي، وفيها الكثير من الصمت والسكوت، والكثير من الالم والبكاء بلا عويل أو نواح، والكثير من الاصغاء لجوهر الشعر الحقيقي، والانصات المرهف الحساسية لاوجاع عصرنا المرير. وكاظم من طينة الشعراء المترفعين على الصغائر، فهو لا يأبه بالجلبة الايقاعية الصاخبة، ولا يهتم بانفعالات الجمهور المجانية، واستقبالهم للشاعر بالتهليل والتصفيق وطلب الاعادة، واخذ الصور الجماعية وتبادل ارقام الهواتف. اشعار من طراز رفيع، تحفل بالرؤى والتأني والتأمل والحلم والهمس والاسترخاء والسكون، وفي هذا المجال يقول الامام علي (ع) : اذا تم العقل نقص الكلام، وان الكارثة تصيب كل شيء عندما يصاب الكلام بالفوضى، على رأي كونفوشيوس. (انه مخفي ابظهوري/ ابغيبتي ملگاي/ انه ماي اليزيح العطش عن الماي/ سكتاتك حچي بيهه الحروف اسرار/ يا اخر نبي جامع صليب ونار).