بغداد: دانية حيدر
في عصر التكنولوجيا الرقمية الذي يشهد تطوراً مستمراً، يبدو أن قطاع التعليم في العراق في حاجة ماسة إلى مواكبة هذه التغيرات العالمية. ورغم الجهود المبذولة من قبل وزارة التربية لتحقيق التحول الرقمي في المدارس العراقية، إلا أن التحديات التقنية القانونية والبنية التحتية تظل عقبات رئيسة أمام تطبيق هذا التحول بشكل كامل.
يتفق العديد من أولياء الأمور على أن إدخال التكنولوجيا في العملية التعليمية يعد أمراً حيوياً لتحسين جودة التعليم. ويقول مراد الموسوي، ولي أمر أحد التلاميذ لـ"الصباح" : إن "التقنيات الحديثة لها دور كبير في ايصال المادة للطالب، وحتى الأطفال أصبحوا يتعاملون مع الأجهزة الحديثة، فإذا دخلت التكنولوجيا في قطاع التربية، سترتفع جودة التعليم بشكل ملحوظ"، مشيراً إلى أن "عدم وجود هذه التقنيات في المدارس يزيد من الفجوة في مستوى التعليم بين ما يتعلمه الطالب في المنزل وما يتلقاه في المدرسة".
وأكد الموسوي أن التكنولوجيا يمكن أن تجعل المواد التعليمية أكثر جذباً للطلاب، مؤكدًا: "التكنولوجيا تجعل التعليم أكثر تفاعلية وتسلية، وهو ما يعزز من قدرة الطالب على الفهم والاستيعاب".
وتابع: "في المنزل، نعلم أبناءنا على أدوات تكنولوجية حديثة، لكن في المدرسة لا نرى هذا التوجه، ما يخلق نوعاً من اللامبالاة بين التلاميذ والطلبة".
أما رفل نجاح (طالبة في المرحلة الثانوية)، فتحدثت عن تأثير غياب التكنولوجيا في مستوى التعليم، قائلة: "في مدرستنا، لا تتوفر تقنيات رقمية أو أدوات تقنية أخرى تساعدنا على التعلم بشكل أسرع، على سبيل المثال، لا يسمح لنا باستخدام الآلات الحاسبة في الاختبارات، والتي تُعد غشاً في نظر الإدارة".
وأضافت أن "غياب هذه الأدوات يُبطئ من وتيرة التعلم، ويولد شعوراً لدى الطلبة بأنهم غير قادرين على مواكبة التطور الذي يعيشه العالم".
وزارة التربية
وزارة التربية أكدت سعيها إلى تنفيذ التحول الرقمي في النظام التعليمي من خلال مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى تحسين كفاءة العملية التعليمية والإدارية، حسبما أفاد المتحدث باسم الوزارة كريم السيد، موضحاً في تصريح لـ"الصباح" أن الوزارة اتخذت بعض الإجراءات في هذا السياق، وتمثلت بتطبيق العديد من الخطوات الفعلية التي تهدف إلى تحقيق التحول الرقمي في الجوانب الإدارية والتعليمية، أبرزها استخدام النظام الالكتروني "الإيميس"، وهو نظام رقمي يعتمد بشكل رئيس في الوزارة لتسهيل المعاملات الإدارية مثل استخراج الوثائق والشهادات باستخدام تقنية الباركود، مما يضمن كفاءة ودقة عالية.
وأضاف السيد أن الوزارة بدأت أيضاً بتطبيق التعليم عن بُعد، باستخدام المنصات الرقمية والتلفزيون التربوي كوسيلة لإيصال التعليم للطلاب في مختلف المناطق.، مؤكداً بالقول: "نستخدم المنصات الرقمية والتلفزيون التربوي في التعليم عن بُعد لمواكبة التطور التكنولوجي في المجال التعليمي. كما أن الوزارة تتطلع إلى نقل الامتحانات إلى النظام الإلكتروني في المستقبل، ما يسهم في زيادة فاعلية النظام التعليمي".
التحديات التقنية
رغم هذه الجهود، إلا أن التحول الرقمي في المدارس ما زال يواجه العديد من الصعوبات، لعل أبرزها قلة الإمكانيات التقنية وضعف البنية التحتية. حيث أشار كريم السيد إلى أن "العديد من المدارس والمديريات العامة ما زالت تفتقر إلى الأجهزة الحاسوبية الحديثة، وكذلك تغطية الإنترنت المناسبة، الأمر الذي يشكل عقبة كبيرة أمام تطبيق الأنظمة الرقمية بشكل فعّال". ولفت السيد إلى أن "التكلفة العالية لتطوير البنية التحتية الرقمية تمثل هي الأخرى تحدياً كبيراً، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية".
التحديات القانونية
إلى جانب التحديات التقنية، هناك أيضاً تحديات قانونية تعرقل تطبيق التحول الرقمي في التعليم. الدكتور عدنان السراج، مستشار رئيس الوزراء لشؤون التربية والتعليم، أشار إلى أهمية تعديل التشريعات الحالية لدعم التحول الرقمي في العراق. وقال السراج لـ"الصباح": "من المهم إصدار قوانين تدعم الإجراءات الإلكترونية، لضمان الاعتراف القانوني بالتواصل الإلكتروني والمعاملات الرقمية"، مشيراً إلى الحاجة لتعديل القوانين الحالية أو إصدار قوانين جديدة تدعم هذا التحول الرقمي في المؤسسات التعليمية".
وأكد السراج أن التحول الرقمي يتطلب أيضاً وجود خطط استراتيجية وطنية لدعمه، مع تخصيص ميزانية كبيرة لتنفيذ هذه الخطط.
وأضاف بالقول: "يجب أن نضع خطة استراتيجية شاملة تدعم التحول الرقمي في التعليم، مع ضمان توفير التمويل اللازم لإنجاح هذه المبادرات".
ثقافة استخدام التكنولوجيا
المحلل التقني في حوكمة التكنولوجيا علي أنور، تحدث عن بعض التحديات التشغيلية التي قد تواجه تطبيق التحول الرقمي في المدارس. وقال: "من أبرز التحديات التي قد تواجه المؤسسات التعليمية مقاومة التغيير، حيث يعترض بعض المعلمين على استخدام الأنظمة الرقمية الجديدة، خاصة أولئك الذين اعتادوا على الأساليب التقليدية في التدريس". وأوضح لـ "الصباح" أن هذا التحدي يتطلب تغييراً ثقافياً واسعاً في المؤسسات التعليمية، وهو أمر يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين.
وأضاف أنور: "من بين التحديات الأخرى التي قد تواجه المؤسسات التعليمية في تطبيق التحول الرقمي هي التهديدات الأمنية، حيث توجد مخاطر متزايدة تتعلق بالاختراقات الإلكترونية التي قد تؤثر في سرية البيانات. ولذا، يجب أن تكون هناك أنظمة حماية قوية لضمان سلامة المعلومات".
أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الأحد، أن الحكومة تولي اهتماماً بالغاً بالتحول
الرقمي، مشيراً إلى أن العراق مرّ بعقود عانى فيها من الحروب والحصار، ما تسبب في انقطاعه عن العالم خلال فترة حساسة من التطور التكنولوجي وانطلاق المرحلة الرقمية الحالية.
من الجدير بالذكر، أن مجلس الوزراء، برئاسة محمد شياع السوداني، يولي موضوع التحول الرقمي أهمية كبيرة، وتم في هذا الصدد تشكيل لجنة مختصة لرسم خارطة طريق لتنفيذ هذا المشروع في العراق.
مؤخراً، أعلن رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، أن الحكومة وضعت الأسس للتحول الرقمي في أكثر من مسار. وأكد السوداني، في لقاء مع الأمين العام لمنظمة التعاون الرقمي، ديمة اليحيى، مضي العراق بمجال التحول الرقمي، ضمن استراتيجية شاملة للأعمال الرقمية والذكاء الاصطناعي، تنسجم مع طموحات الحكومة والمتطلبات الدولية المتنامية في هذا المجال، مشيرا الى ان الحكومة عملت على هذا الملف في أكثر من مسار وضمنته الإصلاحات الإدارية والاقتصادية وما يتعلق بالدفع الإلكتروني.
كما أكد السوداني قدرة العراق على تطوير هذا القطاع، وتحقيق انتقالة نوعية فيه. فيما أشادت اليحيى بتطور العراق في المجال الرقمي، بما يهيئ لخلق بيئة ملائمة لجملة من المشاريع التي تنوي المنظمة تنفيذها داخل العراق، من خلال الدخول بمشاريع تخدم خطط الحكومة في التحول الرقمي، وفيها فائدة حقيقية للموارد البشرية التي يمتلكها العراق، والإفادة من الموارد المادية المتوفرة، والرغبة والاستعداد العاليين.