العمالة الأجنبيَّة تزاحم الخريجين في سوق العمل
بغداد : نور اللامي
بينما يعاني الشباب العراقي من نسب بطالة مرتفعة، يسهم تدفق العمالة الأجنبية غير المرخصة في تعقيد المشهد الاقتصادي والاجتماعي. وفي المقابل، يواجه المقيمون الذين لجؤوا إلى العراق بحثًا عن حياة أفضل، تحديات لا تقل قسوة، حيث يجدون أنفسهم في موقف صعب نتيجة الضغوط الناتجة عن القوانين التي يعتقدون أنها تثقل كاهلهم.
حسن عبد الرزاق شاب عراقي، يمتلك مهارات في الترجمة ومتخصص بعلوم المحاسبة والمصرفية، لكنه لم يتمكن من العثور على عمل حتى، رغم أن لديه مؤهلات علمية ومهارات قد تكون مطلوبة في العديد من المجالات.
يقول حسن : إن الكثير من الشباب العراقي يعانون من ظروف مشابهة، بسبب قلة الفرص والبطالة المرتفعة.
وأضاف أن "المشكلة تكمن في ضعف التنسيق بين القطاع الأكاديمي وسوق العمل، ما يجعل خريجي الجامعات في كثير من الأحيان غير قادرين على إيجاد وظائف تتناسب مع مهاراتهم".
وفي آخر مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، بلغت نسبة البطالة (16.5 بالمئة)، توزعت بواقع (28 بالمئة) بين النساء، و(14 بالمئة) للرجال.
إقامة باهظة
المعاناة لا تقتصر على العمالة المحلية، وإنما تشمل العمالة الوافدة، التي تشكو من صعوبة الحصول على الإقامة ورخص العمل، وارتفاع كلفها. وفي هذا الصدد، يقول الشاب المصري، أحمد أسامة: "عندما جئت إلى العراق لأول مرة، تمكنت من استحصال إقامة قانونية، لكن التكلفة كانت مرتفعة جداً بالنسبة لي، إذ دفعت أكثر من 3000 دولار، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لشخص مثلي يعمل بالأجر اليومي".
ويضيف أنه "مع حلول موعد تجديد الإقامة للسنة التالية، وجدت نفسي غير قادر على تحمل التكاليف مرة أخرى.
وقال: "الأسعار هنا مرتفعة جداً مقارنة بدخلي، وأحيانًا بالكاد أتمكن من تغطية مصاريف معيشتي اليومية. ليس لدي مدخرات كافية لتجديد الإقامة، لا سيما أنني أعيل أسرتي في مصر من الأموال التي أكسبها هنا".
وتابع: "أشعر أن هناك فجوة كبيرة بين ما نحتاجه كعمال وافدين وما تفرضه القوانين"، مضيفاً "يجب أن تكون هذه الرسوم منطقية وتتناسب مع دخلنا كعمال وافدين."
العامل المحلي
والعامل الأجنبي
خالد مازن، صاحب شركة لبيع وتركيب الأجهزة الكهربائية في بغداد، يؤكد أن شركته تعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية، مشيراً إلى وجود 13 عاملاً أجنبياً، يعملون في شركته.
وقال خالد: "هناك أسباب تجبرني على الاعتماد على العمالة الأجنبية، خاصة في ظل الظروف الحالية، فالعمال الأجانب غالباً ما يتمتعون بمستوى عالٍ من الالتزام وقلة المتطلبات المالية مقارنة بالعمال العراقيين".
وأضاف أن "الأجانب مستعدون للعمل لساعات طويلة دون اعتراض، في حين أن بعض العمال العراقيين يفضلون وظائف بدوام جزئي أو يطالبون برواتب أعلى رغم أن إنتاجيتهم أحياناً لا تكون بالمستوى المطلوب".
وفي ختام حديثه، شدد خالد على أهمية تحسين السياسات الحكومية لدعم العمالة العراقية. وأوضح أن برامج تدريبية حكومية ودعماً للعمال العراقيين يمكن أن تسهم في جعلهم أكثر تنافسية، مع تخفيض تكلفة الإقامات للعمالة الأجنبية، ما سيمكن أصحاب الأعمال من تنظيم أوضاعهم وتوفير فرص متساوية للجميع.
استنزاف العملة
الاستعانة بالعمالة الأجنبية تكلف خزينة الدولة مبالغ كبيرة، وفقاً للخبير الاقتصادي أبي عوف عبد الرحمن الشيخلي، الذي أفاد لـ"الصباح": بأن العمالة الأجنبية، التي تشمل العمال المرخصين وغير المرخصين، لها تأثير كبير في الاقتصاد العراقي، خاصة في ظل ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب المحلي.
وأضاف الشيخلي أن عدد العمال الأجانب في العراق حالياً يتراوح بين (150 – 200) ألف عامل، ويشكلون عبئاً على الموازنة العامة للبلاد، حيث تحويلاتهم المالية تقدر بنحو ملياري دولار سنوياً، ما يؤثر سلباً في الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن "جزءاً كبيراً من هذه التحويلات يتم بطرق غير قانونية، ما يزيد من استنزاف الموارد المالية للبلاد".
وتابع الشيخلي أن "العديد من العمال الأجانب يأتون إلى العراق من دول مثل سوريا، حيث يعانون من ظروف اقتصادية صعبة، ما يجعلهم يقبلون بالعمل في وظائف لا يوافق عليها العامل العراقي. كما أن هؤلاء غالباً ما يقبلون العمل بأجور أقل وساعات أطول من تلك التي يطالب بها العمال المحليون"، مشيراً إلى أن هؤلاء "يعملون تحت ظروف أقل تكلفة وأقل مطالب، ما يجعلهم خياراً مفضلاً لأصحاب العمل".
وشدد على "أهمية توفير مراكز تدريب وبرامج لتأهيل العمال المحليين، داعياً وزارة العمل إلى اتخاذ خطوات حقيقية لتدريب الشباب العراقي، من أجل توفير فرص عمل حقيقية للشباب وتحقيق الاستقرار الاقتصادي".
وقال الشيخلي: "إذا تم تطبيق القوانين بشكل صحيح، وتم توفير فرص تدريب حقيقية، فإننا يمكن أن نرى تحسناً كبيراً في سوق العمل، ونقلل من اعتمادنا على العمالة الأجنبية، ما يعزز الاقتصاد المحلي ويقلل من نسبة البطالة".
تكييف قانوني
من أجل تنظيم العمالة الأجنبية، وتسهيل انخراطها في سوق العمل، أعلنت مديرية الإقامة في وزارة الداخلية عن فتح باب التقديم لتكييف الوضع القانوني للعمالة الأجنبية المخالفة، بدءاً من 25 تشرين الثاني 2024 ولمدة شهر.
وأوضح أن القرار يشمل العمالة من الجنسيات السورية والبنغالية والباكستانية، بما في ذلك الذين دخلوا عبر منافذ إقليم كردستان العراق البرية والجوية، موضحاً أن هذا الإجراء يهدف إلى تحويل العمال الأجانب المخالفين الذين يعملون دون إقامة قانونية، إلى إقامة مشروعة، تشمل إجازة عمل صالحة لمدة عام كامل.
وزارة العمل
يؤكد المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، نجم العقابي، أن الوزارة تنفذ إجراءات صارمة لضمان الالتزام بالقوانين المتعلقة بتنظيم العمالة الأجنبية في العراق. وأوضح أن قسم التفتيش يقوم بزيارات مفاجئة إلى مواقع العمل لضبط المخالفات والتحقق من الامتثال للقوانين، مشيراً إلى
وجود تعاون مستمر مع
مديرية الإقامة لضبط العمالة غير القانونية ومعالجتها وفق الأطر القانونية.
وأضاف العقابي أن العمالة الأجنبية تخضع لسلسلة من الإجراءات قبل منحها الموافقة للعمل في العراق، بما في ذلك تخصيص نسبة 50 % من الوظائف في المشاريع لصالح العمالة المحلية، مع اشتراط وجود شهادات خبرة ومؤهلات محددة. كما يتم ترشيح العمالة المحلية من خلال قسم التشغيل الذي يتولى مقابلة الباحثين عن العمل وتوظيفهم بناءً على احتياجات السوق. وأشار إلى أن العمالة الأجنبية غير المرخصة تُشكل عبئاً على الاقتصاد العراقي، حيث تنتهك قوانين الإقامة والعمل، ما يؤدي إلى تهريب العملة الصعبة.
وأوضح أن العمالة المرخصة، بالمقابل، تعمل ضمن إطار قانوني يخضع لإشراف الوزارة، ما يقلل من التأثيرات السلبية على الاقتصاد. وأكد أن الوزارة تُلزم أصحاب العمل بدفع أجور العمال وفقاً للحد الأدنى الذي تحدده لجنة متخصصة، مشدداً على أن العمال المستخدمين رسمياً يحصلون على جميع حقوقهم. أما العمالة غير الرسمية، فتُعرض نفسها وأرباب العمل لانتهاكات قانونية متعددة. واختتم العقابي تصريحه بالكشف عن أن عدد العمالة الأجنبية المرخصة في العراق يقل عن 200 ألف عامل، مؤكداً أن الوزارة تعمل باستمرار على تحسين السياسات لتشجيع توظيف العمالة الوطنية وضمان التوازن في سوق العمل بما يخدم الاقتصاد الوطني بشكل مستدام.