رمزيَّة الدم في شعر شاكر السماوي

ثقافة شعبية 2024/11/28
...

 سعد صاحب 


الدم هو الحياة، وبدونه نتعرض الى الموت والرحيل والاندثار والنسيان، لكن هذا الحيوي العزيز على القلوب، الذي يدور في الشرايين والاوردة ليل نهار ويشربه القاتل المأجور بشهوة متوثبة على الدوام ويسفك في الحروب بصورة بشعة، وما زالت النوافير بكل قوتها، تسح في الشوارع والساحات والازقة والاسواق والملاعب، وفي كل شبر من العالم المليء بالمطاردة، وما زالت الدماء تنز من الجراح القديمة، حتى هذه اللحظة، والعجيب اننا نخاف من رؤية الدم، مع انه يجري في عروقنا، بحسب قول الممثل الشهير شارلي 

شابلن.

(يمرني بكل صحو تعبان/ شبح فضي يرج بيه العمر والدم/ يرج بيه الحلم والهم/ ويرجني بكل گبر والتم/ ويمرني بكل غفو سهران/ گمر يمشي اعلى هالة دم).

ومن الاستخدامات السلبية للدم: المثيرة للاشمئزاز والضجر والضيق والازعاج والكآبة والسأم، ما نشاهده في حياتنا اليومية من مناظر كئيبة، على سبيل المثال: نحر الاضاحي في الطرقات العامة، والعراك بالأسلحة النارية وسقوط القتلى، وحوادث الدهس بالسيارات والقتل المتعمد والاغتيال، من قبل السلطة للمعارضين لها، وما تبثه القنوات الفضائية من مشاهد مروعة، لأطفال ابرياء يقتلون بدم بارد، وما عايشناه في ازمنة الانقلابات العسكرية في الماضي القريب، وما رافقها من احداث دموية لا تفارق الذاكرة. (والحياطين العتيگه الچودرت فوگ الصبر/ اتثاوبت بيها صورها المنطفي بيها الحبر/ اتبسمرت بيهه جثثها/ ابلام لاذت من تعبها بوحشة اخيال 

الجسر). 

وهناك ايضا معارك طلب الثار وانتهاك العذرية والاغتصاب، وغسل العار وتصفية الحسابات القديمة، وادوار الرعب في السينما، وبشاعة شكل اسنان الساحرة الشريرة، والدراكولا الذي يمتص دمائنا قطرة قطرة، ومشهد الجثث المقطعة المرمية في كيس القمامة، والاصابع المبتورة والجماجم المثقبة بالرصاص، وصيد الطيور الجائر بالبنادق، وسواقي الدم المنتشرة في كل مكان، وحتى الحيوانات الاليفة لا تنجو من مكائد الانسان، ومن نواياه السيئة، وحتى الطبيعة المسالمة تعاني من المظالم، ومن قطع الاشجار والقصاص والعقاب.(اسحير الليل طار امعبعب الفرحه/ يلن فجره العصر والنوب/ مامش نور بخيوطه يشد 

جنحه). 


حفلات تعذيب

يوجد الكثير من الدماء المراقة بالمجان، ربما بمستوى بحر كبير او محيط، ولا أحد يلتفت إليها بشكل جاد، ويمسح زجاج النوافذ من قطراتها العالقة، ويوقف جريانها الدائم، فهذه مجازر الثيران والعجول والاغنام والجواميس والبقر، نصادفها كل يوم في الطريق، ونطالعها في ملامح المدينة المستباحة، وفي السواتر الامامية للجبهات لا تنتهي مذابح الجنود، وليس من نهاية لحفلات التعذيب اليومية في الزنزانة الضيقة، وحماقة الذئاب البشرية الموجودة في غرف التحقيق.(گلبي يشوف الگاع امرايه/ وخيالي ابزيبگهه ايغيب/ گلبي يسمع حس قيثاره/ چف عازفها ابحلگ الذيب). 

وبقدر ما يكون الدم مثقلا، بمعاني القتل والبطش والترهيب والجريمة، هذه المرة يجيء معبرا، عن الفرح والسلام والحب والاماني والامل المنشود، والملفت للنظر ان يكون بهذا المقام الانساني الرفيع، وهو المثير للخوف والرعب والتوجس والشكوك والريبة، ولولا الغموض والغرابة والايحاء والتركيز والصراع والمأساة، لم يعد شعرا بالمستوى المطلوب.(هنياله اليشگ الموت/ يرشف من حلاة السم/ هنياله اليكت بالصيف/ زخه اعلى هرش يحلم/ يهايلي تشيل اسنين باچر والجرح ما لم/ باچرنه بخيال اليوم/ عريس وشموسه 

الدم).