انحسار الديون الخارجية

اقتصادية 2024/11/28
...

وليد خالد الزيدي


 

حينما لجأ العراق إلى الديون الخارجية، كان يمر بجملة أزمات أهمها حرب التحرير لطرد التنظيمات الإرهابية من مناطق متعددة في البلاد، منذ عام (2014) حتى عام (2018)، التي كلفت البلاد مليارات الدولارات، وكذلك التكاليف الباهظة لحجم الاستيرادات من السلع والبضائع مقارنة بحجم الإيرادات من عائدات النفط العراقي المباع في الأسواق العالمية، وما يقابل ذلك من قلة الناتج المحلي بمختلف القطاعات، وكذلك تركيز حسابات الموازنة الاتحادية على التخصيصات التشغيلية على حساب التخصيصات الاستثمارية، وقلة المشاريع وتلكؤ الكثير منها، فضلا عن الآثار الوخيمة المترتبة على الفساد المالي والإداري الذي تسبب بهدر مبالغ ضخمة وتبديد ثروات واسعة من البلاد لعدة أعوام. ومن بين أهم الوسائل التي اتخذت مؤخرا لتخفيف وطأة الديون الخارجية بوجه عام، هي إحكام الرقابة على أزمة التمويل التي تواجه البلد، وإعداد خطط لتوفير تمويل كاف منخفض التكلفة، الأمر الذي تطلب تنفيذ إصلاحات أكثر طموحا وتعزيزا للتعاون الدولي، والتعجيل بتحسين إعادة هيكلة الديون للمساعدة في جعل الاقتصاد الوطني أكثر قوة وصلابة.

وقبل كل شيء، توقف الاقتراض الخارجي، إلا في حالات استثنائية، حينما يتوجب أن تكون القروض ذات جدوى اقتصادية ومنافع استثمارية، مثل قرض الين الياباني لمشروع تطوير مصفاة البصرة، الدفعة السادسة، الذي وقعته وزارة المالية مؤخرا مع الجانب الياباني، وجاء تنفيذا لما تضمنه المنهاج الوزاري الذي ركز على ضرورة مناصرة الاقتراض لصالح المشاريع الاستثمارية ذات الجدوى الاقتصادية، وإكمالا لما بدأت به الحكومة من تعاون على الصعيد الاقتصادي مع الحكومة اليابانية والشروع بالاقتراض من البلد الصديق لتمويل المشروع المذكور الذي يعد من أضخم المشاريع الاستثمارية الممولة من جهة خارجية، لإسهامه في رفد السوق العراقية بالمنتجات النفطية التي يقوم العراق باستيرادها حاليا، وكذلك سد الفجوة بين العرض والطلب للمشتقات النفطية، وكمشروع حيوي يخفف العبء البيئي بواسطة إدخال تقنية (التكسير بالعامل المساعد)، التي تعد أول تقنية تستخدم في الشرق الأوسط، ومن خلالها ستتم إزالة الكبريت من زيت الغاز الخفيف، مما ينجم عنه جودة المنتجات المجهزة من هذا المشروع.

وهناك إجراءات حكومية أخرى لا تقل أثرا إيجابيا عما سبق ذكره، مثل تقليل استيراد بعض المواد الغذائية بعد الاكتفاء الذاتي من محصول الحبوب كالحنطة والرز، وإعادة مبالغ ضخمة من الأموال المسروقة، وتنظيم عمل الضرائب، وإجراءات متعددة الجوانب، ومراقبة الإنفاق وتنفيذ بنود الموازنة العامة، وتعظيم الإيرادات غير النفطية لتفادي مخاطر تقلبات أسعار النفط العالمية على الاقتصاد العراقي، وإعداد حزمة تشريعات مهمة لإحداث نقلة نوعية في القطاع المالي والمصرفي.

وعلى ما يبدو، فإن بنود الموازنة العامة أتاحت للحكومة فرصة تشجيع الشركات الأجنبية على استثمار أموالها في البلاد، من خلال تقديم الضمانات السيادية، فكل تلك الإجراءات تؤشر تراجع الاقتراض الخارجي وتحسن سياسة العراق المالية وانحسار الديون الأجنبية، بعد إجراء مراجعة شاملة لجدوى هذه القروض وتسديد القديمة منها، والالتزام بالاقتراض للمشاريع الإنتاجية التي تحقق مردودا ماليا وليس للقطاعات الاستهلاكية.