الإسعاف الفوري.. جهودٌ تضيع بين تحديات الطريق ونقص الوعي
بغداد: سرور العلي
قد تكون لحظة تأخير واحدة في الاستجابة لحالة طارئة كفيلة بتغيير مصير حياة إنسان، ورغم أهميتها الحيوية، ما زالت خدمة الإسعاف الفوري تواجه العديد من التحديات. فبين الزحام المروري الذي يعيق حركة سيارات الإسعاف، ونقص الوعي المجتمعي يعاني المواطن في بعض الأحيان من تأخير قد يكون قاتلاً. لكن في الوقت نفسه، تبرز حالات نجاح تؤكد أهمية هذه الخدمة في لحظات الحسم.
دور حيوي
يؤكد المختص في الطب والجراحة العامة الطبيب خلدون إقبال، الدور الحيوي الذي تلعبه سيارات الإسعاف في إنقاذ أرواح المصابين، مشيراً إلى أن الاستجابة السريعة لحالات الطوارئ يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في تحسين فرص النجاة وتقليل المضاعفات الصحية، خاصة في الحوادث الطارئة، والسكتات الدماغية والنوبات القلبية، وأثناء انتشار الأوبئة.
وأوضح في حديثه لـ"الصباح"، أن سرعة نقل المصابين إلى المستشفيات لتلقي العلاج المناسب تسهم بشكل كبير في تقليل الإصابات والوفيات، وتعزز الأمن الصحي للمجتمع.
وأشار الطبيب إقبال إلى أن سيارات الإسعاف تعد جزءاً أساسياً من النظام الصحي لأي دولة، وتعكس قدراتها في التعامل مع الأزمات الصحية، مبيناً أن هذه الخدمة تمثل عاملاً مهماً في تحسين استجابة النظام الصحي لمختلف الحالات الطارئة، وتخفيف معاناة المرضى وتقديم العناية السريعة لهم.
وفي سياق تحسين خدمات الاسعاف، دعا الطبيب إقبال إلى ضرورة تجهيز سيارات الإسعاف بأحدث التقنيات والأجهزة الطبية، لضمان تقديم العناية الفورية وفقاً لأعلى المعايير. كما شدد على أهمية زيادة التدريب والتطوير المهني للعاملين في هذا المجال، من خلال تنظيم ورش عمل وندوات تدريبية دورية، بهدف تحسين مهاراتهم في التعامل مع الحالات الطارئة.
وفي المقابل، أكد إقبال ضرورة نشر ثقافة الإسعاف الأولي بين أفراد المجتمع، عبر برامج توعوية في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لزيادة الوعي بأهمية الإسعاف السريع وتأثيره في إنقاذ الأرواح، كما أكد أهمية تجهيز أقسام الإسعاف بأحدث الآليات وتوفير ضمانات حماية قانونية للمسعفين، بما يسهم في رفع مستوى الاستجابة للحالات الطارئة وتعزيز النظام الصحي في البلاد.
واقع خدمة الإسعاف
تتعدد الروايات حول تجارب المواطنين مع خدمة الإسعاف الفوري، فبينما يراها البعض خدمة منقذة للحياة، يصفها البعض الآخر بالعائق الذي قد يتسبب في تبديد الفرص لإنقاذ المرضى. يقول منير حسن (42 عاماً)، وهو أحد سكان بغداد، إنه لم يواجه أية صعوبات عندما تعرضت والدته لحالة طارئة، مؤكداً بالقول "اتصلت بالخط الساخن للإسعاف، وكانت الخدمة جيدة جداً، إذ تم نقل والدتي إلى المستشفى بسرعة وحصلت على العناية اللازمة."
لكن تجارب أخرى لا تبدو بالإيجابية نفسها، إذ تقول بنين عامر (طالبة جامعية) إن أسرتها لا تفكر في الاتصال بالإسعاف الفوري.
وتضيف: "نحن نمتلك سيارة خاصة في المنزل، ويمكننا نقل المريض بسرعة إلى المستشفى دون الحاجة إلى انتظار سيارة الإسعاف التي عادة ما تأخذ وقتاً طويلاً للوصول بسبب الزحام المروري".
غياب الثقافة المجتمعيَّة
أحد أعمق القضايا التي تبرز في هذا السياق، غياب الثقافة المجتمعية المرتبطة بالاتصال بخدمة الإسعاف الفوري.
ويقول د. عبد الرحمن الجبوري، (أستاذ جامعي): إن "ثقافة الاتصال بالإسعاف شبه معدومة في المجتمع، إن لم تكن معدومة تماماً." ويضيف: "الكثير من الناس، وأنا منهم، لا يعرفون رقم الإسعاف الفوري، ولم نكلف أنفسنا بحفظه في هواتفنا، بينما نجد أن البعض يفضل أن يعتمد على سيارته الخاصة أو سيارات الأجرة. وعندما تفكر في الاتصال بالإسعاف، قد تجد أن التأخير أصبح أمراً معتاداً، لذلك غالباً ما نلجأ لحلول بديلة."
ويتابع الجبوري الحديث عن المعوقات التي تواجه المواطنين عند محاولة الاتصال بالإسعاف: "في بعض الحالات التي جربت فيها الاتصال بالإسعاف، واجهت تأخيرات بسبب الأعذار التي يقدمها الموظفون، مثل غياب السائق أو نقص الوقود".
ظروف الطريق
تعد مشكلة الزحام المروري أحد أبرز التحديات التي تواجه خدمة الإسعاف الفوري، وفقاً لمدير قسم الإسعاف في وزارة الصحة د. زيد سعد عبد الستار، مضيفاً في تصريح خاص لـ"الصباح"، أن "أكبر مشكلة نواجهها هي حركة المرور الكثيفة، خاصة في الفترة من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساء"، موضحاً أن هذه الأزمة توثر بشكل مباشر في سرعة وصول سيارات الإسعاف إلى المرضى."
لكن الأمر لا يقتصر على الازدحام فقط. يضيف زيد: "حتى عند استخدام الصافرات في سيارات الإسعاف، يعاني السائقون من عدم احترام المواطنين. البعض يظل واقفاً أمام الإسعاف، ما يضطر السائق إلى تجاوزهم بطريقة غير آمنة". وفي بعض الأحيان، يشير زيد إلى أن رجال المرور يقومون بفرض غرامات على سيارات الإسعاف في حالات غير مبررة، ما يعمق التحديات اليومية التي يواجهها
الطاقم الطبي.
المواطن يتحمل العبء
من الغريب أن الخدمة التي يفترض أن تكون مجانية في حالات الطوارئ قد ارتبطت بتكاليف مالية. وبحسب د. زيد، هناك تسعيرات محددة على خدمات الإسعاف، مثل نقل المريض من المنزل إلى المستشفى، تصل تكلفته إلى 25 ألف دينار، أما في حال كان النقل بين المحافظات، فالتكلفة تصل إلى 50 ألف دينار، مضيفاً أن هذه التكاليف غالباً ما تكون غير مفهومة لدى المواطنين، ما يؤدي إلى سوء تفاهم حول المبالغ التي يتم دفعها، حيث يعتقد البعض أن المبالغ تذهب إلى جيب السائق أو المساعدين.
هذا الأمر يعزز من فكرة أن الشفافية مفقودة في النظام، ما يجعل الناس يشعرون بعدم الثقة في الخدمة.
الخط الساخن
تسعى وزارة الصحة لتحسين خدمة الإسعاف الفوري، من خلال تحديث نظام التواصل مع المواطنين عبر الأرقام الساخنة.
ويشير د. زيد إلى أنه تم تغيير الرقم القديم 122 إلى رقم جديد هو 911، لكنه مازال قيد التجربة. ويعتقد زيد أن هذا الرقم الجديد سيحسن من سرعة الاستجابة عند الاتصال بالإسعاف.
أسطول قديم ونقص في الملاك
تحدث د. زيد عن واقع أسطول الإسعاف، حيث أشار إلى أن عدد سيارات الإسعاف التي تم توفيرها من قبل وزارة الصحة في بغداد هو 160 سيارة، منها 101 سيارة فقط تعمل بكفاءة، والبقية موديلات قديمة سيتم استبعادها قريباً. ورغم أن بعض المحافظات، بما فيها بغداد، أسهمت في شراء سيارات إسعاف جديدة، إلا أن العدد الكلي ما زال بعيداً عن تلبية احتياجات العاصمة، كما أن سيارات الإسعاف الجديدة تواجه تحديات كبيرة، منها نقص الوقود.
سيارات بلا وقود
إضافة إلى التحديات التي تواجه فرق الإسعاف الفوري، تطفو على السطح مشكلة جديدة تتمثل بنقص الوقود. وفي هذا الصدد تقول عضو لجنة الصحة النيابية، ثناء الزجراوي: إن "هناك نقصاً في توفر الوقود اللازم لتشغيل سيارات الإسعاف، وهو ما يعيق قدرة الخدمة على التحرك بكفاءة". وأضافت لـ"الصباح" قائلة: "تواصلنا مع وزارتي الصحة والمالية، إضافة إلى رئيس مجلس الوزراء، للحصول على الدعم، لكن الوضع ما زال بحاجة إلى مزيد من الجهود لحل هذه المشكلة."
الجدير بالذكر أن عدد سكان بغداد، وفقاً لنتائج التعداد الأخير، يتجاوز الـ9 ملايين نسمة، بواقع (11) سيارة إسعاف لكل مليون مواطن، الأمر الذي يؤشر وجود نقص واضح في عدد السيارات، مقارنة بالمعايير العالمية، والحاجة الماسة لتحسين الخدمات الطارئة بشكل يتناسب مع عدد السكان وحجم التحديات.