بغداد : عواطف مدلول
"أمجد" كان يواجه التنمر منذ طفولته بسبب إعاقته الجسدية، حيث كانت التعليقات القاسية من أقرانه تشكل جزءاً من يومياته. هذا التنمر لم يتوقف مع مرور الزمن، بل استمر خلال مرحلة الشباب، ليجبره في النهاية على الانعزال عن المجتمع، ما أثر بشكل عميق في حالته النفسية.
رحلة العناء التي عاشها "أمجد" بسبب التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، تصل إلى ذروتها عندما يسلم نفسه للضغوطات النفسية التي أدت إلى وفاته؛ نتيجة الاكتئاب والانغلاق على الذات. هذه القصة تُظهر عمق المشكلة النفسية والاجتماعية التي يواجهها ذوو الإعاقة بسبب التنمر.
جهل البيئة
الرسامة والناشطة نرجس التركمانية ترى أن التعرض للتنمر قد يكون مرتبطاً بالمكان، موضحة: "في البيئة التي نشأت فيها تعرضت لشتى أنواعه، وكذلك صديقاتي مثلي من ذوات الإعاقة، لذا بعضهن فكرن بالانتحار، فنحن نتأذى جداً عندما ينظر إلينا بطريقة فيها شيء من الشفقة، كما الأطفال الصغار يحرجوننا كثيراً عندما ينادوننا كلما شاهدونا بكلمة (معوقة)، لا بل أعرف بنات حتى أقرب الناس لهن وهم الأهل يشاركون بالتنمر عليهن، فينادون ابنتهم بالمشلولة بدل اسمها، وكذلك المتزوجات منهن أغلبهن يتعرضن للاستهزاء من قبل الشريك وأسرته أيضاً، دون مراعاة أن ذلك سوف يبعث لديهن مشاعر القلق والخوف. تمكنت نرجس من تجاوز عوقها من خلال اجتهادها بموهبة الرسم وانشغالها بإنجاز الأعمال اليدوية، إلى جانب السعي لأن تكون ناشطة ومدافعة عن ذوي الهمم، فشاركت بالعديد من الورش والمهرجانات بهذا الخصوص، وتشير إلى أنها لطالما كان القهر رفيقها الدائم في السابق، لكن ذلك الشعور تغير بعد سفرها لتركيا ومشاهدة أساليب التعامل المتحضرة مع أمثالها، مؤكدة بقولها: "اكتشفت أن الخلل ليس بإعاقتي إنما بالناس الذين يحيطون بي، فالوعي لديهم ضعيف أو معدوم، والجهل بأهمية وضرورة احترام الآخرين مهما تكن أشكالهم واضح".
الأعمال التلفزيونية
الصورة النمطية التي تقدمها الأعمال التلفزيونية أغلبها تظهر المعاق بشخصية سلبية، ولذلك فإن للإعلام دوراً في التنبيه لذلك الأمر. الدكتورة إيناس القباني، معاون مدير مركز الدراسات والبحوث في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، تبين من أجل الحفاظ على هوية وكرامة الأشخاص ذوي الإعاقة البدنية، دون تشويه أو مبالغة تقود إلى الإسفاف في المعنى والفكرة بالعمل الفني الموجه للتلفزيون، من الضروري تقديمهم كشخصيات متعددة الأبعاد ضمن صياغة السيناريو للقصة مع إضفاء سمة الإيجابية على هذه الشخصيات بالإضافة لبعض السلبيات المتعارف عليها، حتى يكون الطرح منطقياً ومقبولاً لدى المتلقي، ومن أهم ما يجب أن تحمله الشخصية المتعددة الأبعاد والتي تكتب بدقة وعناية من كاتب السيناريو، أن تكون واضحة الأهداف والدوافع، كما يجب أن تحمل هذه الشخصية صفات متنوعة ما بين الشر والمثالية لتقترب إلى المستوى الطبيعي للشخصيات الإنسانية، ومن المهم أن تتم الاستعانة بأشخاص حقيقيين من أصحاب الهمم للاستفسار والتأكد من بعض التفاصيل الدقيقة، ويفضل استخدام ممثلين هم فعلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة حتى لا تكون الأفعال مقحمة، بل تكون لقطات طبيعية، كما يتطلب من المخرج عدم التركيز في التصوير على موضوع الإعاقة فهو ليس محوراً رئيساً، بل إن الفكرة التي تدور حول حالة إنسانية هي الهدف، بعض الأعمال الدرامية تركز على الإعاقة وإبرازها وكأنها هي الحدث الرئيس، في حين التركيز على الشخصية هو أكبر عنصر جذب للمتلقي.
أفلام وأبطال
اختارت قباني بعض الأمثلة: مسلسلات مثل Breaking Bad استخدمت شخصية ذات إعاقة (والتر الابن) دون أن تكون إعاقته محور القصة، وكذلك فيلم Wonder تناول قصة طفل يعاني من تشوهات خلقية بطريقة إنسانية شاملة دون تركيز مبالغ عليه، أما فيلم me Before Youالذي أنتج في 2016 فكانت قصته تدور حول شاب يصاب بشلل رباعي ويقرر انهاء حياته، واعتبر هذا الفيلم من النقاد سيئاً، لكونه يعزز أن فكرة الحياة مع الإعاقة غير مجدية، وهو الأمر الذي يقود الأشخاص من ذوي الهمم للشعور بأنهم بلا أي قيمة في المجتمع ويعزز الطاقة السلبية لديهم. وتختتم قباني بذكر البطلة العراقية نجلاء عماد التي فازت بأولمبيات باريس البرالامبية، فهي حظيت بتقدير وتكريم بلادها، ونجحت التغطيات الإعلامية بتسليط الضوء على قوتها وإنجازها؛ لكونها تلعب بيد واحدة، ذلك التداخل مابين الإنسانية المفرطة والشفافية في صياغة خبر لهذه البطلة صاحبة الابتسامة الدائمة.
دور الأسرة
من جهتها تصف المعالجة النفسية الدكتورة نغم العنزي التنمر على ذوي الاحتياجات الخاصة بأنه سلوك متعمد وعدواني، إذ يحدث إلى جانب الإيذاء البدني أو النفسي من خلال المضايقة والتحرش والتهديد والاستبعاد الاجتماعي، حيث يكون بشكل لفظي من خلال الشتائم والتعليقات غير اللائقة أو الإيماءات جراء قصور المعاق عن القيام ببعض المهارات الاجتماعية. موضحة: "نحن نعلم أن الأسرة هي أول مؤسسة اجتماعية للفرد ولها دور بالغ الأهمية في التخفيف من الحالة، بواسطة توفير الجو الآمن له ومساعدته في تخطي الصعوبات التي تصادفه بالحياة، ولكن دورها يبقى غير مكتمل، إذا لم تتعاون جميع المؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية لتقديم الدعم اللازم له، والرعاية الصحية المناسبة لتسهيل حياته اليومية قدر الإمكان، ويتم ذلك من خلال نشر التوعية في المجتمع لتعريف الناس على نمط حياة هؤلاء الأشخاص، وضرورة الاعتناء بهم واحترامهم وتجنب اظهار ردود أفعال سيئة عند التعامل معهم.