طلبة الجامعات.. قلق البطالة يبدّد فرحة التخرج

ريبورتاج 2024/12/02
...

   دانية حيدر

في مشهد يتكرر سنوياً في الجامعات، حيث يتجمع الطلبة وهم يرتدون ثياب التخرج، وسط أجواء من الفرح والاحتفال وبهجة الأصدقاء والأسر التي تبارك لهم اجتياز مرحلة دراسية طويلة، لحظة ينتظرها الكثيرون منذ سنوات، لكن خلف ابتساماتهم، قد تخفي أعينهم مشاعر من القلق والتوجس، وتظل في قلوبهم تساؤلات عن المستقبل الذي يلوح في الأفق.
فاطمة حيدر، طالبة في كلية العلوم، قسم الرياضيات، واحدة من الذين يواجهون هذه المخاوف. تقول فاطمة: "شعور فرحة التخرج لا يكتمل لدي بسبب خوفي من المستقبل المجهول، خاصة في الوقت الحاضر، أرى أن نسبة البطالة في تزايد وأصبح الخريجون فائضين عن الحاجة".
وتضيف "أن التخرج لم يعد يضمن الحصول على فرصة عمل كما كان في السابق، وأحاول في كامل جهدي أن أحول هذا القلق إلى شيء إيجابي من خلال تطوير مهاراتي، والتعرف على أشخاص يمكن من خلالهم أن تفتح لي أبواب العمل. لكن تبقى الأسئلة تراودني، هل ستكون هناك فرص حقيقية للوظائف؟".
تدرك فاطمة أن النجاح لم يعد يعتمد فقط على الشهادة الجامعية، بل على تطوير المهارات الشخصية والشبكات الاجتماعية التي قد تفتح لها أبوابًا جديدة. لكن يبقى القلق يطارد الكثيرين من جيلها، الذين يشاهدون أحلامهم تتأرجح بين الواقع المرير والآمال المعلقة على المستقبل.
بينما يقول مقتدى العبودي، الطالب في كلية اللغات بجامعة بغداد، عن تجربته: "عند دخولي للجامعة لم يكن هدفي الحصول على وظيفة حكومية، فقد كان جُل همي وهدفي إكمال المسيرة التعليمية والحصول على الشهادة الدراسية من أجل التعلم والتثقف وزيادة المعرفة. لم يكن لديَّ تطلع خاص للحصول على وظيفة حكومية، بل كنت أبحث عن إثراء تجربتي الشخصية وتعميق معرفتي الأكاديمية. أما عند تخرجي، فسوف أوجه اهتمامي إلى القطاع الخاص، أو أبحث عن أي فرصة عمل يمكنني من خلالها كسب الرزق الحلال. الأهم بالنسبة لي هو أن أكون قادرًا على بناء مستقبلي والعمل في مجال يتناسب مع طموحاتي، حتى وإن كان بعيدًا عن الوظائف الحكومية التقليدية".
تعد هذه النظرة من مقتدى انعكاساً لشريحة من الشباب الذين يتطلعون إلى التغيير والإبداع، بعيداً عن التفكير في الوظائف الحكومية المضمونة، ويؤمن أن التحدي يكمن في إيجاد فرص العمل في القطاع الخاص الذي قد يوفر له فرصاً أكبر للنمو والتطور المهني، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.

واقع البطالة
في آخر إحصائية أجراها الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، ظهر أن النسبة الإجمالية للبطالة تبلغ 16.5%. ولعل اللافت في هذا المسح هو التفاوت الكبير بين الجنسين في سوق العمل، حيث أظهرت الإحصائيات أن نسبة البطالة لدى النساء قد وصلت إلى 28%، في حين كانت النسبة لدى الرجال 14%.
أما في ما يتعلق بالطلبة الخريجين، فقد أظهرت التقارير أن العراق يخرّج سنوياً نحو ربع مليون طالب في الجامعات الحكومية. ولكن، على الرغم من هذا العدد الكبير من الخريجين، فإن سوق العمل لا تستطيع استيعابهم، ما يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة بين هذه الفئة المتعلمة. العديد من هؤلاء الخريجين لا يجدون وظائف تتناسب مع تخصصاتهم، أو يضطرون للعمل في وظائف ذات مستوى مهني منخفض لا تتطلب تعليماً عالياً.

ضعف القطاع الخاص
على الرغم من أن القطاع الخاص يعد حجر الزاوية في بناء اقتصادات الدول النامية، إلا أن العراق يعاني من ضعف ملحوظ في هيكليته. يُعد القطاع الخاص في العراق غير قادر على توفير فرص عمل كافية للمواطنين، ما يدفع الكثيرين للبحث عن فرص عمل في القطاع العام الذي أصبح يعاني
من التضخم الوظيفي.
 يتحدث الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش عن غياب التشريعات الداعمة للقطاع الخاص والمستثمرين، قائلاً: "لا توجد قوانين محفزة للاستثمار أو أنظمة تنظيمية فعالة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. كما أن الصناعات المحلية في العراق لا تحظى بالدعم الكافي، ما يحد من قدرة الاقتصاد الوطني على الاستفادة من إمكانياته الصناعية. علاوة على ذلك، تواجه البلاد تحديات في قطاع الكهرباء الذي يعاني من نقص حاد في الطاقة، ما يؤثر سلباً في جميع
القطاعات الإنتاجية.
يتمثل سبب آخر، بحسب حنتوش، في التوجه الحكومي نحو توفير دعم اجتماعي للعاطلين عن العمل، عبر راتب الرعاية الاجتماعية الذي يُقدّر بـ 175 ألف دينار شهرياً. هذا الدعم، على الرغم من كونه موجهاً لتخفيف معاناة المواطنين العاطلين عن العمل، إلا أنه لا يحل المشكلة من جذورها، بعد أن أصبح العديد من العاطلين عن العمل، يعتمدون على هذه الرعاية، بدلاً من البحث عن فرص عمل حقيقية. وفقًا لحنتوش، فإن هذه البرامج لا تسهم في بناء الدولة أو تحسين الوضع الاقتصادي، بل تشجع بعض المواطنين على البقاء في حالة من الركود الاقتصادي، بدلًا من المشاركة
الفعالة في سوق العمل.

 الآثار الاجتماعيَّة
تعد البطالة من العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية في العراق، حيث يعيش الكثير من العاطلين عن العمل في ظروف اقتصادية صعبة، وهو ما يزيد من حالات الفقر. يترافق ذلك مع ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية، حيث يسعى العديد من الشباب العراقيين للهروب إلى دول أخرى بحثاً عن فرص أفضل. علاوة على ذلك، فإن البطالة تسهم في تفشي بعض الظواهر السلبية مثل الجريمة والعنف، إذ يضطر بعض الأفراد إلى اللجوء إلى أساليب غير قانونية لتأمين قوتهم اليومي.
اقتصادياً، تؤدي البطالة إلى إضعاف النمو الاقتصادي، فكلما ارتفعت معدلات البطالة، كلما انخفضت مستويات الاستهلاك، ما يؤثر في القطاعات التجارية والصناعية. كما أن العراق يفقد الكثير من الكفاءات والخبرات، خاصة في قطاعات مثل التكنولوجيا والتعليم والصناعة، ما يعوق قدرة البلاد على التحول إلى اقتصاد متنوع وقادر على مواجهة التحديات العالمية، فضلاً عن ذلك، فقد تؤدي البطالة إلى تزايد الاعتماد على الإعانات الحكومية، ما يزيد من الأعباء المالية على الدولة.

وزارة العمل
يحدثنا نجم العقابي، المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، عن الخطط التي تسعى الوزارة لتحقيقها، قائلاً: "إن الوزارة، من خلال دائرة العمل والتدريب المهني، تعمل على توفير مراكز تدريبية تهدف إلى تطوير مهارات الشباب العاطلين عن العمل، ما يسهم في إعدادهم بشكل أفضل لدخول سوق العمل"، مشيراً إلى أن "هذه المبادرات تهدف إلى تمكين الباحثين عن العمل من اكتساب المهارات التي تتناسب مع احتياجات السوق المحلية، ما يزيد من فرص حصولهم على وظائف ملائمة".
وأضاف العقابي أن الوزارة تعمل أيضاً على منح قروض صغيرة للباحثين عن العمل تتراوح بين 20 إلى 50 مليون دينار، دون فوائد، شريطة أن يكون المشروع المقدم حقيقياً ومنتجاً، على أن يتم سداد هذه القروض على مدى خمس سنوات، ما يمنح المستفيدين فرصة لتنمية مشاريعهم وتحقيق دخل مستدام.

مبادرات حكوميَّة
في حديثه عن توجهات الحكومة لحل مشكلة البطالة، أكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أن الحكومة قد سارت في اتجاهين مهمين لتحقيق استقرار اقتصادي وتنمية مستدامة. أولاً، تم التركيز على تشريع قانون الضمان الاجتماعي الذي يضمن شمول العاملين في القطاع الخاص بصندوق التقاعد. هذا القانون، الذي أقره مجلس النواب في العام 2022، يهدف إلى توفير الضمان الاجتماعي لجميع العاملين في سوق العمل المنظمة.
أشار صالح إلى أهمية الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، حيث بدأت الحكومة بالفعل بتنفيذ هذه الفلسفة عبر الكفالات السيادية للقطاع الصناعي الخاص، ما يسمح له بالحصول على قروض عالمية لتمويل خطوط الإنتاج للمشاريع الصناعية المهمة. هذه القروض تأتي من دول الاتحاد الأوروبي واليابان، وتشمل صناعات حيوية مثل البنية التحتية، وصناعة الأدوية، والبتروكيمياويات، والتكرير، بالإضافة إلى الصناعات الرقمية التي تمثل مستقبل التنمية.
من جانب آخر، أكد مظهر محمد صالح أن الحكومة تعمل على تعزيز دور القطاع الخاص من خلال استراتيجية تهدف إلى زيادة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 37٪ حالياً إلى أكثر من 54٪ في السنوات المقبلة. ولتحقيق هذا الهدف، يتم توفير فرص تمويل تنموي للقطاع الخاص من خلال صندوق العراق للتنمية ومصرف ريادة، الذي أسسه البنك المركزي العراقي لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
كما أكد صالح أن الهدف التنموي للحكومة هو تقليص البطالة إلى أقل من 4٪ بحلول عام 2028، وهو ما يعد أحد الأهداف الرئيسة لبرنامج التنمية المستدامة في البلاد، ويعد خطوة مهمة نحو الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في العراق.