عادل العرداوي
خلال مطالعتي للجزء الاول من موسوعة ( تاريخ الادب الشعبي في النجف الاشرف/ وجوه - اصوات - قراءات) لمؤلفه الدكتور صادق المخزومي، الصادر مع اجزائه الثلاثة الاخرى في عام/ 2024 - نشر مؤسسة أديان للثقافة والحوار النجف .
لفتت نظري وانتباهي حكاية قصيدة شعبية لشاعرها الرائد الراحل الشيخ هادي القصاب وهو أحد فحول الشعر الحسيني والاجتماعي في الفرات الاوسط، وهو ايضاً صاحب مجلس أدبي شهري يعقده في داره بالنجف يتقاطر عليه أرباب العلم والأدب والشعر والخطابة والانشاد الديني للاستمتاع لما يطرح في ندواته الشهرية تلك من شذرات ومختارات شعرية وانشادية
مختلفة ..
وحكاية تلك القصيدة التي وقفت عندها وقررت الاشارة اليها عبر هذه السطور تتميز بان شاعرها القصاب قد نظمها في عام/ 1957 اي قبل سنة من انهيار النظام الملكي في العراق لأن فيها اشارات نقدية للاوضاع السائدة انذاك ..
المهم إن الشاعر القصاب وبوعي مبكر وتنبؤ واضح يشير في أحد مقاطعها الى اننا سنشهد في قابل الايام ولادة مبتكرات جديدة ستدخل في حياتنا اليومية لم نعهدها من قبل، وحتى لا نتقبل تصديقها والايمان بحصولها.. وهكذا هم الناس ( من قال وبلى) لا تقبل بالجديد والمبتكر لانها لاتعرفه من
قبل..!!
المهم في الامر ان هادي القصاب يشير بحدسه ورؤيته وتوقعه أن جهازاً جديداً سيدخل في حياتنا تتيح للمتصل بالهاتف رؤية الشخص المقابل اي المتكلم معه من الطرف الاخر مهما تباعدت المسافات وهذا ماحصل فعلاً في سنواتنا الاخيرة هذه يوم حل الهاتف النقال في حياتنا وغير العديد من المفاهيم التي كانت سائدة في حياتنا التقليدية..
تلك القصيدة نظمها القصاب على وزن اغنية شهيرة للمطربة الراحلة ( زهور حسين) يقول مطلعها:
اريد احچي واخاف الناس يگلون .. اشيكولون، تولع بالمحبه وصار مجنون ..!
اذ يقول هادي القصاب :
اريد احچي واخاف امن احچي انلام ..
بسبب صار الحچي بحساب وأرقام
اريد احچي وخاف من اليعادوك
لون هاليوم تلفزيون راووك
بعد چم يوم لابد مايخلونك
( تشوف اللي يكلمك بالتليفون ..!)
اريد احچي وبين الشين والزين
وخاف الزين تالي ينگلب شين !
لون گالوا الحايط عنده اذنين
تره بهل اليوم صارت عنده اعيون !
اريد احچي وخاف امن الطلايب
شگول اشكثر شاهدنا مصايب ؟
من اضلوعنا انفصل مناصب
وتالي غيرنا اعليهه يگعدون ..!
اريد احچي وخاف اخطي بكلامي
وبعض وادم يقيدون الاسامي
چبير القافله اشريك الحرامي
بعد چا بيمن الوادم يأمنون ؟
ويستمر القصاب في عرض حال المجتمع العراقي انذاك اي قبل ( 67) سنة تقريباً، ويختم بهذا البيت الذي ترد فيه اشارة الى ملك العراق انذاك المرحوم ( فيصل الثاني ) الذي كان في الحكم ليس له حول ولا قوة .. يقول في بيتها الختامي :
تچتفنه وبعد گلي : اشيفكنه؟
شرك نصبولنه وطحنه ابشركنه
يشوف ويسمع ويدري (ملكنه)..!
لچن شيگول بس يحچي يزعلون ..!
هذه القصيدة الوثيقة تعد اليوم جزءًا أساسا لدراسة طبيعة المجتمع العراقي في تلك الفترة السالفة، التي يجب ان تدرس من قبل المختصين في الجوانب الاجتماعية والثقافية..عبر ماتركه لنا ارث القصيدة الشعبية العراقية..