كاظم غيلان
بقدر ما يمنح المنجز الإبداعي لصاحبه حضورا طيبا يستمر حتى لما بعد رحيله عن الدنيا، نجد العشرات من الطارئين على عالم الإبداع يتشبثون بقشور ونفايات مراحل لا تصلح حتى للإقامة في ذاكرة مسكونة بالجمال، ولعلها واحدة من ظواهر تنبئ بانهيار القيم المثلى للثقافة، وسط دعم وترحيب كل ما هو طاريء ومشوه من إعلام تعددت وسائله التي تتصدرها السوشيال
ميديا .
نقابيون تقليديون، متعهدو حفلات، متعهدو مهرجانات، سماسرة نشر واعلام، معقبو معاملات، ديناصورات، وغير هؤلاء جميعهم يتخندقون ليحتلوا واجهة مشهد الثقافة في عصر التفاهة الذي نعيش .
هؤلاء وحدهم يشكلون سلطة قامعة تمتهن الاقصاء والتهميش بكل ما أوتي لها من دونية الأساليب، فتراهم يصلحون لجميع المراحل بحكم تكيفهم السريع مع أي مناخ وانسجامعم المطلق مع أي طيف يحل، فجلودهم الافعوية جاهزة للتبديل وبلا أي
حياء.
تذكرت اليوم استطلاعا اجريته لمجموعة من شعراء شباب نهاية التسعينيات وجهوا سهام نقدهم لشاعر أجحف بحق تجاربهم نشرته في صفحة ( شعبيات ) التي كنت احررها بجريدة (ألوان) الفنية الاسبوعية، فماكان من شاعر بارز حينها، إلا أن يتصل بي مدافعا عن صديقه مبررا عدم جواز نشر هكذا آراء بحق شاعر يكتب شعرا منذ ثلاثة عقود!
الإشارة كانت من زاوية ضيقة ومضحكة وكأن هناك سنوات خدمة يجب قداستها وتجنب نقد صاحب العمر أن
بلغه.
هكذا نظرة مسلكية تتكرر اليوم وبصيغ أخرى كأن يكون صاحبها نقابيا زاول عمله النقابي ردحا طويلا من الزمن في الاتحاد أو الجمعية أو النقابة أو الرابطة....والخ من مسميات وعمله هذا بات مقياسا علينا الوقوف بجلال
أمامه.
إن مثل هكذا نماذج تعشعش اليوم دون ايما بصمة إبداعية في حياتها الأدبية أصاب عقولها التردي ولم يعد للخلق والابتكار حيز فيها ولذا تجدهم مصابين بفكرة الريادة
مثلا .
من المؤكد أننا نقف بكل احترام أمام من يكبروننا سنا وتجربة، لكننا في الوقت نفسه لم نسمح لأنفسنا ان نضفي القداسة على هكذا نماذج لم تصلح الا لمسلكيتها .
أما كيف يكون متعهد الحفل نجما، وكيف يكون النقابي رائدا وكيف يكون حامل اختام الهويات والصادرة والواردة صوتا مهما وهو بلا صدى فتلك مسألة أخرى.
" تحن مثل العطش للماي
تحن ويهزها المكابر "
رحم الله جبار الغزي الذي أشك بأنه كان يحمل هوية نقابية للاستهلاك الشعري في جيبه حين أغمض عينه ولسبب واحد لاغير انه كان : غريب الروح.