ودق خليل الجميلي
ظاهرة استغلال الأطفال، واحدة من التحديات الاجتماعية التي تبرز بشكل خاص في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العديد من الأسر. في هذه الأوضاع، يجد بعض الأطفال أنفسهم مجبرين على التسول أو العمل في ظروف صعبة، مما يعرضهم لخطر التأثير السلبي على صحتهم ونموهم الطبيعي.
ففيما يتعلق بالعمل، يشير الخبراء إلى أن بعض الأطفال يضطرون للعمل في وظائف لا تتناسب مع أعمارهم، ما يمنعهم من ممارسة حقوقهم الأساسية مثل التعليم واللعب. كما أن هناك حالات يتم فيها استغلال الأطفال في إعلانات تجارية غير لائقة، مما يثير القلق بشأن تأثير هذه الممارسات على نموهم النفسي والاجتماعي.
أبعادٌ نفسيَّة
الباحث النفسي والاجتماعي، كاظم الربيعي، حذر من الأضرار النفسية والاجتماعية، التي يتعرض لها الأطفال نتيجة للاستغلال. ووفقا للربيعي، فإن السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل تعدُّ مرحلة حرجة في بناء شخصيته، وفي حال تعرض الطفل للاستغلال أو العنف خلال هذه الفترة، فإن ذلك قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية. وأضاف أن هؤلاء الأطفال يصبحون أكثر عرضة للعدوان والانحراف في مراحل لاحقة من حياتهم، ما يجعلهم عرضة للانخراط في الجريمة المنظمة.
وأشار الربيعي إلى أن ظاهرة التسول في العراق تبدأ غالبا بأساليب بسيطة مثل تنظيف السيارات أو بيع المنتجات في الشوارع، لكنها قد تتطور إلى أشكال أكثر خطورة مثل التسول القسري أو المشاركة في الجرائم الخطيرة، مؤكدا ضرورة تدخل مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني للحد من هذه الظاهرة، عبر تطبيق القوانين وتعزيز وعي المجتمع.
أهميَّة التعليم
التعليم هو الركيزة الأساسية التي يمكن أن تحمي الأطفال من الوقوع ضحايا للاستغلال، بحسب الربيعي. وأوضح أن هناك عددا كبيرا من الأطفال الأميين في العراق، وهو ما يشكل عقبة أمامهم في فهم حقوقهم أو الدفاع عنها. وقال الربيعي: "التعليم ليس مجرد عملية تلقين للمعرفة، بل هو عملية شاملة تسهم في بناء شخصية الطفل وتعزيز قيمه الأخلاقية والاجتماعية." وأشار إلى أن غياب التعليم يعرض الأطفال لفرص تهميش واستغلال، ويجعلهم أدوات بيد من يسعى لاستغلالهم لمصلحته.
وأضاف: "لا بد من تطوير النظام التعليمي ليتواكب مع متطلبات العصر، كي يظل الأطفال قادرين على مواجهة تحديات المستقبل، ويساهموا في بناء مجتمع مستقر ومزدهر."
الجهل بالواقع
يشير المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، نجم العقابي، إلى أن أعداد الأطفال المتسولين أو العاملين في ظروف استغلالية تتغير بشكل مستمر وفقا للظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة. ولفت إلى أن الأرقام الدقيقة لهذه الظاهرة غير متوفرة، نظرا لتقلبات الظروف، فيما تعدُّ الوزارة هذه الظاهرة من الأولويات التي تعمل على معالجتها، حيث أكد العقابي أن الوزارة تتعامل مع الأطفال المشردين والمستغلين عبر دور الإيواء التي يتم إدخالهم فيها بموجب قرار قضائي.
وأضاف العقابي أن الوزارة تعمل على التنسيق المستمر مع الجهات الأمنية لضبط حالات الاستغلال، من خلال تشكيل لجان مشتركة تعمل على تطبيق القوانين والتعليمات النافذة. كما أشار إلى أن الوزارة تركز على تفعيل القوانين القائمة، بدلاً من البحث عن قوانين جديدة، وهو ما يراه خطوة ضرورية لمكافحة هذه الظاهرة.
حملات توعية
من أجل مواجهة هذه الظاهرة والتقليل من آثارها السلبية على الأطفال والمجتمع، نظمت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية حملات توعية بالتعاون مع الجامعات والوزارات المعنية. وتهدف هذه الحملات إلى رفع الوعي المجتمعي بمخاطر التسول واستغلال الأطفال في الأعمال الشاقة، وأهمية حماية حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية. كما شدد العقابي على أهمية العمل المشترك بين مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية ضمن سياسة وطنية منظمة، بهدف تحقيق نتائج فعالة وملموسة في تقليص هذه الظاهرة.
حقوق الطفل
وفي حين يعزو المراقبون أسباب استغلال الأطفال، الى غياب قانون لحمايتهم، تؤكد رئيس لجنة الأسرة والمرأة والطفل في مجلس النواب، دنيا الشمري، أن العراق يمتلك مجموعة من القوانين التي تحمي حقوق الأطفال، بدءا من تقديم الجنسية عند الولادة وصولا إلى التعليم المجاني الإلزامي. كما أوضحت أن العراق صادق على اتفاقية حماية الطفل في عام 1994، ما يجعله ملتزما بجميع بنود هذه الاتفاقية، التي تضمن حقوق الأطفال في جميع المجالات.
وأكدت الشمري أن العراق يهتم بالجانب التعليمي والترفيهي للأطفال، حيث توجد هيئات متخصصة مثل هيئة الطفولة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إضافة إلى دار ثقافة الأطفال بوزارة الثقافة، والعديد من المراكز التي تروج للأنشطة التعليمية والترفيهية للأطفال، كما أن هناك مديرية حماية الأسرة في وزارة الداخلية، إضافة الى الشرطة المجتمعية لحماية الأسرة والطفل، مشددة بالقول "نحن لا نقبل ولن نقبل أن يكون هناك أحد يتهم العراق بأنهم مغيبون حقوق الطفل".