سعيد كمالي دهقان
ترجمة: بهاء سلمان
تعد هضبة لايكيبيا في كينيا ملاذا للحفاظ على الحياة البرية، ووجهة سفاري شهيرة تضم جميع الحيوانات الخمسة الكبرى في إفريقيا. وظل الصراع المحلي المشتعل حتى الآن بين مجتمعات الرعاة الأصليين والمزارعين البيض، الموجودين في المنطقة منذ زمن طويل، غير ملحوظ إلى حد كبير لدى المجتمع الدولي. لكن "معركة لايكيبيا"، التي صوّرها إثنان من صناع الأفلام المخضرمين، وهما صانع الأفلام الوثائقية الحائز على جوائز عديدة، الكيني "بيتر موريمي"، و"دافني ماتزياراكي"، المخرجة اليونانية التي رشّحت لجائزة الأوسكار عن فيلم قصير، تسير على حبل مشدود لإظهار التوازن الدقيق في صراع أصبح عنيفا بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة بسبب أزمة المناخ.
تقول ماتزياراكي: "أثناء صنع الفيلم، فوجئنا بحقيقة أن الأشخاص الذين يتشاركون نفس المشهد بالكاد يعرفون بعضهم البعض ولم يفهموا بعضهم البعض حقا. إن الافتقار إلى التعاطف والخوف ورفض الإعتراف بالسياق التاريخي في بعض الأحيان هي الأسباب التي أدت إلى تصاعد هذا الصراع إلى هذه النقطة. لقد أبرز تغيّر المناخ إلى السطح قضايا كانت مدفونة تحت السجادة لعقود من الزمن."
وأثناء بحثهم عن شخصيات قوية، يعلق موريمي بأن سكان لايكيبيا كانوا في البداية متشككين في دوافعهم؛ مضيفا: "عندما يسمع شخص ما أنك تتحدث أيضا إلى عدوه، فإن هذا يخلق الكثير من المشكلات". استخدمت المجتمعات المحلية البدوية طرق الرعي القديمة عبر لايكيبيا لقرون، ولكن بعد تمكن المزارعين البيض من الوصول إلى مساحات شاسعة من الأراضي مطلع القرن العشرين، وصلت المجموعتان إلى حالة واضحة من الخلاف.
لقد رفعت أزمة المناخ من المخاطر، حيث أجبر الرعاة، اليائسون بشكل متزايد للحصول على العشب لماشيتهم، على الانتقال إلى الأراضي المملوكة للمزارعين البيض لعدة أجيال. تم تصوير ملاك الأراضي، الذين يعتمدون أيضا على لايكيبيا للإبقاء على مواشيهم، في الفيلم الوثائقي وهم يكافحون لإقناع الرعاة بأنهم كينيون أيضا، وأن كينيا هي البلد الذي عرفوه طوال حياتهم.
شخصيات متضادَّة
توصلت ماتزياراكي إلى فكرة الفيلم أثناء إقامتها في كينيا قبل حوالي 20 عاما، عندما كانت تقوم بتدريب داخلي مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وتقول إنها كانت تعلم منذ البداية أنها لا تستطيع القيام بالفيلم بمفردها، ولهذا اتصلت بموريمي ليصبح شريكها في عملية الإخراج. يظهر المشهد الأول الذي صوّرته في عام 2017، ماريا دودز، وهي شخصية قوية في الفيلم، فتراها تشرب الشاي مع ضيف عندما يسمعون فجأة طلقات نارية في مزرعتهم.
تقول ماتزياراكي: "كان التصوير مع كلا جانبي الصراع، والبقاء على الحياد ومواصلة تغذية الثقة والمودة مع الحفاظ على الحدود الأخلاقية، يمثل تحديا مستمرا. لقد شهدنا أشخاصا خائفين، ومنكسرين، وغاضبين، يتساءلون عن أنفسهم ثم يتصالحون."
أبطال الفيلم الرئيسيون هم سيمون، راعي ماشية من قبيلة سامبورو، وثلاثة من ملاك الأراضي البيض القريبين. غالبا ما يظهر سيمون، الذي يتحدث لغة السامبورو، وهو يقضي وقتا مع عائلته في أماكن متواضعة. في سامبورو، تعني كلمة "نكيشون" الحياة، وهي مشتقة من كلمة "نجيشو"، والتي تعني الماشية. يقول سيمون في الفيلم: "بالنسبة لنا، الماشية هي الحياة. نعيش على ما توفره لنا أبقارنا: الحليب والحساء والدم وأحيانا اللحوم. عندما يولد سامبورو، تمنح لنا بقرة. وعندما نموت، ندفن في جلد البقر."
يظهر أسلوب حياة الرعاة في تناقض مع أسلوب حياة المزارعين البيض، الذين يتحدّثون الإنكليزية والسواحيلية، ويعيشون ضمن عائلات برفاهية أكبر. يظهر أحد المشاهد في بداية الفيلم مزارعا في مزرعته يحذر راعيا أسودا شابا من مغادرة ممتلكاته. استخدم بعض المزارعين سياجا كهربائيا لإبعاد الرعاة، لكن الكثيرين يتفقون على أن السيطرة على مساحات شاسعة من الأرض أمر صعب. توضح دودز: "المزرعة ... تعود في الواقع إلى ما قبل والدنا وجدنا وجد جدنا الأكبر. تشعر أنك جزء من اللغز بأكمله." ويظهر الفيلم جنازة دودز بعد وفاتها بالسرطان سنة 2021.
قوانين قديمة
لا يزال الإرث المعقد للاستعمار البريطاني بلا حلول داخل كينيا، مع إحجام الحكومة عن إيجاد حل. لم يفعل استقلال كينيا في عام 1963 الكثير لتغيير ذلك، حيث ظلت ملكية الأرض دون تغيير لأجيال، كما تظهر أخبار التلفزيون أحدث أعمال العنف، حيث يشار إلى الرعاة غالبا باسم "قطاع الطرق". يقول سيمون مع اقتراب نهاية الفيلم: "لا ينبغي أن يكون كونك شبه بدوي جريمة." العنف واضح على كلا الجانبين، وتم العثور على أحد الرعاة ميتا؛ ووجد المزارعون أماكنهم مخترقة.
بدأ التصوير عام 2017 وإستمر لمدة خمس سنوات، حدثت دورة جفاف لمدة ثلاث سنوات خلال تلك الفترة، وكان صنع الفيلم مهمة صعبة من الناحية اللوجستية. يقول موريمي: "المنطقة بعيدة جدا، ومتفرّقة جدا، وفي بعض الأحيان يتعيّن عليك المشي لمسافات طويلة والنوم على الأرض، على جلد الماعز أو جلد البقر. لكنني وجدت أنها فرصة لي.
يقول موريمي إن أكبر عقبة في التصوير كانت "تحيّزنا اللاواعي"؛ ويضيف: "أحيانا يتسرّب هذا التحيّز اللاواعي إلى عملك. في الواقع، عندما كنا نجمع بين هذا الفيلم معا، كان علينا حقا أن نتحدى بعضنا البعض، ووجدت أن هذه عملية مجزية للغاية."
ويواصل المخرج الفذ موضحا: "اكتشفنا أيضا الكثير عن أنفسنا، لأنه في بعض الأحيان يكون لديك هذه النظرة للعالم وتعتقد أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يعمل بها العالم. اعتقد أن جمال هذا المشروع هو تحدّي هذه التصوّرات التي لدى الناس، وفي بعض الأحيان عليك أن ترى الجانب الآخر لمعرفة ذلك. العالم أوسع بكثير من أفكارنا. لذلك اعتقد أن هذا كان التحدي الأكبر، لأنه كان علينا مواجهة الحقائق وفي بعض الأحيان قبول أننا كنا مخطئين."
صحيفة الغارديان البريطانية