دكاكين

ثقافة شعبية 2024/12/12
...

كاظم غيلان 



تشير مصادر اللغة إلى أن أصل كلمة (دكان) يعود للفارسية والعربية معاً، فهي تعني الحانوت وفي بعض بلداننا العربية يطلق عليها الباقولية. وللدكان في حياة الأحياء الشعبية حضور دائم في الذاكرة، فهو دلالة مكانية ومصدر لتبضع الناس حاجاتهم بمختلف أنواعها، ولذا اكتسب قدراً من الأهمية في حياتنا.

العلاقة مع صاحب الدكان تأخذ طرقاً تختلف في الشد والجذب، في حميميتها وفرطها، فلربما تشهد علاقتك مع صاحب الدكان الذي تتعامل معه نوعاً من الجفاء أو حتى القطيعة أن لمحك مصادفة وأنت تتبضع من غيره، أو أن تصله أخبار سيئة عنك حين تنتقد بضاعته في محفل ما.

ولصاحب الدكان زبائن غاية في الإخلاص يتمتعون بتسهيلاته كالتبضع منه بالآجل (الدين) الذي يخصص له سجلاً تضرب بأوراقه الأمثال. 

ويأخذ دور صاحب الدكان في العلاقة مع الأجهزة الأمنية ما يشبه دور مختار المحلة كمصدر مهم لمعلوماتها أو حتى في استفسارات تخص الوضع الأخلاقي للنساء والرجال بقضايا تتعلق بالزواج مثلاً.

وأيضاً بعض الدكاكين عادة ما تكون أماكن تلتقي قربها مجموعة أصدقاء من أبناء المحلة الشعبية.

في السياسة، ومن باب التقليل من شأن الآخرين يطلق البعض على معارضيه كلمة (دكان) أو (دكاكين) للتقليل من شأنهم.

في ظل ما حصل في حياتنا من تطورات أصبح الدكان ثانوياً بعد غزو المولات والسوبر ماركت والمجمعات التجارية وحلت الحاسبات الإلكترونية محل تلك السجلات القديمة، إلا أنه بقي رهين معظم الأحياء التي احتفظت بطابعها الشعبي.

في الثقافة هناك أيضاً ظاهرة الدكاكين التي تتعامل مع المشتغلين بحقولها بطريقة تقترب من سياقات أصحاب الدكاكين الأولى، ولها أساليبها في التقييم، فيا ويلك وسواد ليلك أن وجدك صاحب الدكان الثقافي الذي يغدق عليك بالدعوات والمكافآت وهو يراك تتعاطى مع صاحب دكان معارض له، سوف يسارع لشطب اسمك من دفتره وتخسر تلك الامتيازات التي سيظفر بها من تحرس عيناه صاحب الدكان وتشي له بأسماء عملاء الدكاكين الأخرى. 

في دكاكين الثقافة صفقات تجري وسلع ضرورية وغير ضرورية عليك أن تروج لجودتها وتمارس الغش الدعائي في الرفع من شأنها لتجعل منها ماركة دولية حتى لو كنت متأكداً من صناعتها القروية.

في دكاكين الثقافة طبخات تعمل ليل نهار لتسويق البضاعة الرديئة الفاسدة على حساب البضاعة الجيدة تماشياً مع سياسات السوق ومضارباته التي (تدوخ) من لا يجيد أصول اللعبة.

كان للحاج عبد الزهرة دكان في منطقتنا، لكن متبضعيه (معاميله) وأقصد أن زبائنه قليلون جداً مع أن حاجاته أصلية جداً، ولم يمتهن الغش على العكس من دكان (أبو علي) الذي امتهن الوشايات بخيرة شباب المنطقة والكل على بينة من رداءة حاجياته المعروضة لسبب واحد هو: الخشية من ثرثرته

ونفاقه.

لك الله يا عمنا عبد الزهرة فهذا زمن الغش والرياء.