روسيا.. المصدر الرئيس للكهرمان في العالم

بانوراما 2024/12/15
...

 آنا سوروكينا
 ترجمة: شيماء ميران


يكاد يكون الجزء الغربي لروسيا هو المكان الذي يُجهّز العالم بأكمله بحجر الكهرمان، ويعطي كثيرون من جميع أنحاء العالم حجر الكهرمان قيمة ثمينة كبيرة. فكل امرأة في روسيا تملك مجوهرات مصنوعة من الكهرمان. يحبه الروس ليس لجماله ووفرته فقط،، أو لكونه أرخص من الماس والزمرد، وإنّما لأنهم يعتقدون أنه يحمل صفات علاجيّة أيضا.
بحسب بيانات مختلفة، فإنّ نسبة تجهيز العالم من هذا الحجر الكريم التي تتراوح من 80 إلى 95 بالمئة تتركز في روسيا. إذ توجد حقوله في جزيرة "سخالين" و"تايمير"، لكن الأكبر يقع في قرية "يانترني" بمنطقة "كالينينغرادسكايا". وحين أجرى العلماء حساباتهم وجدوا ان كل متر مكعب من الصخور التي تحتوي على معادن، تحمل كيلوغرامين منه تقريبا.
تعد شركة "كالينينغراد أمبر كومبين" وهي جزء من مؤسسة "روستيخ" الوحيدة التي تعمل بمجال انتاج الكهرمان الصناعي، واليوم تقوم بتطوير مقلع "بريمورسكي" الذي تمكنا من زيارته.
لا يمكن رؤية الكهرمان بوضوح، لانه موجود في "الارض الزرقاء" على عمق يتراوح بين 50 و60 مترا. ولا تبدو عملية استخراجه اعتيادية تماما بحد ذاتها، إذ يقف العامل في قاع المقلع المزوّد بنظام مائي يضرب الصخور الحاملة للكهرمان من خلال نفث مياه البحر عليها.  
يوضح الجيولوجي البارز "أليكسي كوركين" أنّ: "الصخور صلدة للغاية فلا يمكن غسلها بالماء الاعتيادي، لذلك نستخدم مياه بحر البلطيق. ولغسل متر مكعب واحد نحتاج ثمانية امتار مكعبة من هذه المياه".
فيصبح لدينا مزيج من الارض الزرقاء ومياه البحر، ينساب على طول قناة مؤدية الى خندق خاص، ثم يُنقل عبر انبوب الى مصنع التخصيب.
ونظراً للحاجة الى الماء في عملية استخراج الكهرمان فلا يمكن اتمامها الا بدرجات حرارة ما فوق الصفر قبل انجماد الماء. وعادةً ما يستمر استخراجه حتى منتصف تشرين الثاني، وفي الشتاء يخضع المحجر للصيانة.

عملية استخراج يسيرة
 ينتج المحجر ما بين ثلاثة الى خمسة أطنان من الكهرمان يومياً. ويتم العثور أحياناً على كتل تزن اكثر من كيلوغرام واحد. وعادةً ما يتم تنقيتها في المصنع لأنها تكون مغطاة بطبقة من الطين. لا يمكن ان تصدق اطنان الكهرمان وهي تتدحرج امامنا. يقول "أليكسي": "لقد استخرجنا هذا الموسم 12 كتلة، وكان اثقلها خلال بداية الربيع إذ بلغ وزنها 1876 كيلوغرام".
كان يتم التقاط العينات الكبيرة حتى وقت قريب بالشِباك، أما اليوم فقد تُركت هذه المهمة الى الآلات.
تُشير التقديرات الى ان مخزون المحجر، الذي يعمل منذ العام 1976، سيستمر لمئة سنة أخرى على الاقل. إذ يبلغ العائد السنوي من 500 الى 600 طن، اما المخزون الاحتياطي اليوم فقد وصل الى 53 الف طن.
تتم إزالة الصخور الزائدة بواسطة حفارة متحركة، وهناك ثلاثة منها في المحجر. وبينما يُغسل الكهرمان داخل أحد أجزاء المحجر، تتم عملية اعادة الزراعة في الجزء الآخر. إذ تُستخدم حفارة السحب بإرجاع ما بقي من الصخور وتسويتها، واعادتها الى المنطقة لتُزرع وسط النباتات ثانية.
قريباً من المنطقة يوجد مقلع "سينيافينسكي" المستنزف والذي أُغلق منذ سبعينيات القرن الماضي، وقد تحول اليوم الى واحدة من أجمل بحيرات المنطقة. يقول "أليسكي": "سيتم تسليم هذا المحجر أيضا، لكن ربما بعد عدة سنوات مقبلة. وبما أن سرعة العمل هي خمسين متراً سنوياً، فإن المحجر سيمتد بالمجمل الى كيلو متر ونصف الكيلومتر بالعرض والطول. ومع ان خطتنا تمتد إلى عشرين عاماً، لكننا نعلم اننا في غضون عشرة الى خمسة عشر عام مقبلة سنُسلّم جزءاً من المحجر ونواصل استثماره لعدة عقود اخرى".
يمكن مشاهدة استخراج الكهرمان من على منصة مراقبة، إذ توجد كاميرات موصولة بالحفارة تُظهر المتخصصين اثناء العمل على شاشة كبيرة. كما يمكن تجربة دور "صائد الكهرمان" في محجر مؤقت.

الأنواع الأغلى ثمناً
تستطيع "آنا دوكينا"، خبيرة الاحجار الكريمة تمييز الاحجار الخاصة من بين الآلاف من الأحجار، وتقول: "الكهرمان الابيض الملكي هو الأغلى والأندر ويوجد نسبة واحد بالمئة منه فقط في الطبيعة، كما ان الكهرمان الطبيعي الأبيض ذو الخطوط الصفراء له قيمة عالية جداً".
وهناك ايضا "اللاكير الاسود"، الذي كان يعد في السابق الارخص، ومع ذلك، هناك اليوم عملية لتجميله، وذلك لشدة الطلب عليه.
بغض النظر عن ألوان الكهرمان المثيرة للاهتمام، توجد شوائب بنسبة ستة إلى ثمانية بالمئة منه، كالنباتات او الحيوانات المحفوظة في الراتنج. تقول "آنا": "مثلاً، لدينا يعسوب جميل في الكهرمان، يمكنك رؤيته ضمن معروضات متحف المصنع". عادة تترك هكذا احجار كما هي كونها مصقولة بطريقة متقنة. تطلق عالمة الاحجار على الكهرمان الشفاف ذي اللون العسلي اسم "كلاسيكي بلطيقي، وهو الذي نراه احيانا في المتاجر.
توضح "آنا" أنه: "بعد اتمام عملية الفرز، يحدد المتخصصون ما سيُباع منه في المزادات، وما سيذهب لانتاج المجوهرات".
يعد المنتجون الروس والأجانب على حد سواء عملاء للمصنع، كما يحظى بتقدير خاص من قبل الصين وبعض الدول العربية. لا يبيع هذا المصنع الكهرمان الخام فقط، بل المجوهرات المصنوعة منه أيضا. كما يتم انتاجه في قرية "يانتارني".

لا فضلات في انتاج الكهرمان
يُزيّن أحد جدران الورشة عنكبوت عملاق وهو ينسج شبكة من الكهرمان فوق خريطة العالم. ويقول "فاديم باركومينكو" رئيس قسم الانتاج التجريبي: "في العام 1954، توصل تجار المجوهرات السوفييت الى تصميم عنكبوت لبروش لا يزال رمزاً للكهرمان. وبالمحصلة انتج السوفييت آلاف القطع من جميع الانواع، وابتكروا قطعا جديدة عدة مرات خلال الاسبوع الواحد".
يفكر الصُنّاع في التصميم، وغالباً ما يقترحه الحرفيون والزبائن. إذ يجهز الحرفيون الأحجار ذات الالوان والاحجام المناسبة، وبعضهم يجمع المجوهرات، والبعض الآخر يفحصها تحت الضوء للتأكد من عدم وجود اجزاء مكسورة او مخدوشة. والواقع أنهم يحاولون عدم رمي اي شيء، إذ تُستخدم بقايا الكهرمان مع بعض القطع الفنية او توضع تحت المكبس او تُستخدم ضمن تفاصيل صغيرة.
توضح النحاتة "مارغريتا بوليغينا" التي تنحت تماثيل على شكل حيوان وإنسان بأنه لا يوجد حجران من الكهرمان متطابقان في الطبيعة، لذلك فكل قطعة من تذكاراتها فريدة من نوعها.
تقول "مارغريتا": "احيانا نقرر كيفية استخدام الماء اعتمادا على المادة ذاتها فندرس لونها وشكلها. وستحتاج الى ان يكون تفكيرك مكانياً، وان تتخيل مقدماً ما ستجسده من المادة، وان يكون دماغك فيه كمبيوتر ثلاثي الابعاد. أدواتي هي استمرار يديّ".
توصف "مارغريتا" بأنّها فنانة متعددة القدرات، إذ لديها مهارات العمل بالمخططات التوضيحيّة والرسم والخشب، لقد بدأت العمل هنا من الصفر، وفهمت خصائص الكهرمان، وتقول: "اذا كان الحجر مرناً فيمكن نحت تمثال صغير في غضون يوم واحد فقط. ما عليك سوى ان تعرف كيف تتعامل معه".

عن موقع راشين بياند هيدلاينز