لم تعد في الـ ١٧ من عمرك

ولد وبنت 2024/12/16
...

ذو الفقار يوسف 



ونحن نعيشُ حقبة عصر السرعة، نراقب أعمارنا وهي تتخذ أنفاس الأرنب بسرعتها، وصارت ساعات اليوم تختلفُ عمَّا سبقَ في حقبة تسعينيات القرن الماضي، لنكون أكبر عمراً بشكلٍ غير اعتيادي، ولا نستطيع اللحاق بذلك الذي شُبّه بالسيف القاطع، فالوقت لدينا قد استخدم كل شيء جديد في حياتنا ليساومنا به ونحن لا ندري، استمرار تصفحنا لمقاطع الفيديو في هواتفنا، مكالمات طويلة، ألعاب الكترونيَّة تجعلنا كالعبيد في حضرتها، مسلسلات، برامج، وأغانٍ، ليختفي اليوم من حياتنا ونحن كما نحن بلا أدنى تطور.

ومع كل تلك الخسارات يزيد عليها العمر، تصل لسن الثلاثين من عمرك وأنت قابعٌ في مكانك ذاته، لا تتذكر أي شيء من أيامك المتكررة بسبب هذه الممارسات، تدنو من المرآة فترى شخصاً ليس أنت، لقد كنت مدمناً تقليدياً ومكرراً، وقد استحوذتْ عليك هذه الأدوات والممارسات، وتتيقن بأنك لم تعد طفلاً، وكان لا بُدَّ من التحرك.

وبينما تلمسُ هذا الانفعال الناضج في حياتك ستلمسُ أيضاً آثار كلِّ تلك الأيام التي خسرتها بأفضل جزءٍ من عمرك في كل تلك الأفعال، فالعقل قد تأثرت خلاياه بهذا التكرار، والجسد قد بدأ بمرحلة هدمه لها بالتدريج، ومع كل تلك المساوئ يقلُّ فهمُك وإدراكُك لكل ما تريد الخوض به رغماً عنك، سيتضاعف مجهودُك في الإنتاج، وتحارب أكثر من المعتاد في حروبك ومنافساتك لاستحصال حصادك من العالم، فأنتَ لم تعد ذلك الإنسان اليافع الذي يتلقفُ المعلومة لمرة واحدة فيفهما ويستوعبها، ولا الصبي الذي ينجز ما كُلّفَ به بسرعة، ليزورك في تلك اللحظات ملك التأنيب وفرعون الندم، يصرخ بوجهك كل ما فعلته في أيامك الضائعة، ويلومك ضميرُك كلما تقاعس عقلُك أو جسدُك عن الإنجاز بلا إرادتك، وسترى نفسك في كلّ يافعٍ ناجح، وتتمنى أنْ تعادَ الأيامُ لتضمن عناصر التعويض قبل أنْ يترددَ صدى كل تلك الأصوات في قلبك وتقول لك: لا تستطيع.. لقد أصبحت كبيراً في العمر.