تك تك.. مركباتٌ هجينة تؤرق مستخدمي الطريق
بغداد: سرور العلي
تصوير: علي قاسم
رغم مرور ما يقرب من السبعة أشهر على قرار منع استيرادها، ما زالت عجلات "التك تك" تغزو الشوارع بأعداد كبيرة، ويتم تداولها على نطاق واسع في المجمعات التجارية، ما يثير التساؤل عن كيفية دخولها إلى البلاد بهذه الأعداد الكبيرة، بعد أن تحولت إلى ظاهرة لافتة تحمل في طياتها العديد من الجوانب السلبية. ورغم أهمية "التك تك" وسهولة النقل عبرها، تثير الظاهرة العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تقف وراء انتشارها، والتي تسهم في زيادة الحوادث والزحامات المرورية. في الوقت الذي كان فيه العراق في خمسينيات القرن الماضي ثاني دولة في العالم بعد بريطانيا في استخدام وسائل نقل الركاب مثل "اللاند" ذات الطابقين، أصبح اليوم ثاني دولة في العالم بعد الهند في استخدام "التك تك" بسبب سهولة التنقل بها وسط الزحام المروري غير المسبوق.
للضرورة أحكام
أحمد فراس (30 عاماً)، لجأ لشراء عجلة التك تك بعد إنهاء دراسته الجامعية في كلية الإدارة والاقتصاد، ولانعدام فرص الحصول على وظيفة، ما اضطره للعمل في تلك الوسيلة داخل منطقته الشعبية في مدينة الصدر، مؤكداً:"لم تكن أمامي حلول أخرى، للحد من البطالة سوى العمل في التك تك".
وأضاف "أصبحت مصدر رزق لي ولأطفالي، إذ أحصل يومياً على عشرين أو خمسة وعشرين ألفاً".
وتفضل أم حسين (41 عاماً)، التك تك؛ كون معظم سائقيها من المنطقة ذاتها التي تسكنها، ما يجعلها تشعر بالأمان، إلى جانب وصولها سريعاً لباب البيت، لتجنبها الزحامات المرورية، فضلاً عن أجرها الزهيد.
رفض
في حين يتذمر الحاج نعمان حسن من وجود التك تك بأعداد كبيرة في الشوارع، إذ تسبب الزحام المروري، وعدم التزام أصحابها بقواعد السير، كما أنها تتسبب بحوادث ومخاطر.
وترى سرى جواد (طالبة جامعية)، أن بعض سلوكيات سائقي تلك العجلة غير لائقة ومشبوهة، إذ يتجمعون بالقرب من البيوت والمحال التجارية، أو عند مدخل المناطق السكنية، لذلك فهي لا ترغب بوجودها.
إقبال رغم المنع
مرتضى خضير، صاحب محل لبيع عجلات التك تك أشار إلى أن أسعارها بحسب موديلاتها، 8 ملايين و500 ألف دينار لموديل(22)، و7 ملايين لموديل(21)، و6 ملايين لموديل(20)، أما الجديدة التي لم تستخدم من قبل يصل سعرها إلى 13 مليون دينار عراقي، وارتفعت أسعارها بعد قرار منع استيرادها، الذي يتم من مناشئ عدة، ومنها الهند، إذ تشتهر شركة باجاج بصنعها، إضافة إلى استيرادها من الباكستان وتايلند ومصر والسودان وغيرها، لافتاً إلى أن هناك إقبالاً كبيراً من الشباب على شرائها، لصغر حجمها، ووصولها سريعاً.
قرارات
في أيار الماضي، وافق مجلس الوزراء على إقرار التوصيات الخاصة بمعالجة ظاهرة انتشار الدراجات (تك تك، ستوتة، دراجات نارية)، إذ أوضح العقيد حيدر محمد الوائلي، مدير علاقات وإعلام المرور لـ "الصباح": "منع استيراد الدراجات النارية (التك تك والستوتة) منعاً نهائياً، عند عدم توافرها على شروط السلامة والأمان والمواصفات القياسية، وإيقاف استيراد الدراجات النارية بأشكالها كافة، التي يكون حجم محركها (40) سي سي فما فوق، وتستثنى من ذلك حاجة الدوائر الأمنية والمرورية".
وأضاف الوائلي لـ"الصباح": "في الوقت الحالي يمنع تجوال الدراجات النارية غير المسجلة ومنها التك تك، وفي حال المخالفة سيتم حجزها من قبل مفارزنا".
وأشار إلى أنه لا توجد لدى مديرية المرور إحصائية بعدد عجلات التك تك المحجوزة لديها، لأن الحجز مستمر إلى الآن.
من جانبه بين العقيد الحقوقي حيدر شاكر، مدير شعبة الإعلام في مديرية المرور العامة: "مديريتنا تعمل على خدمة المواطنين، خاصة في مجال التوعية المرورية وما يتعلق بسلامتهم، لذلك تم منع الدراجات النارية بكل صنوفها، ومنها التك تك من السير في الطرق الرئيسة والسريعة، بسبب كثرة الحوادث المرتكبة في هذه الطرق، وخوفاً على أصحابها من الإصابات المميتة".
أسباب
الأسعار المناسبة لعجلة التك تك دفعت بالكثير من الشباب العاطلين عن العمل لشرائها، والعمل بها داخل المناطق السكنية، ونقل الركاب من مكان لآخر، واعتاد المواطنون عليها، إذ بين الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي في تصريح لـ"الصباح": "تعد التك تك من المهن السهلة، والتي لا تحتاج إلى مهارات وكفاءات، وتوفر فرص العمل فيها من دون الحاجة إلى الوساطات، لذلك يقبل الشباب والمراهقون عليها حتى وإن لم تكن لائقة، بالإضافة إلى أن أرباب الأسر لجؤوا إليها، بسبب أن ثمنها مناسب والعمل فيها مربح ووقودها بأسعار زهيدة، كذلك عدم وجود رخص مرورية وإجازات لهذه العجلات، بعكس المركبات الأخرى التي تسجل عليها غرامات ورسوم و يكون وقودها غالياً، وهي مفضلة من قبل المناطق الشعبية".
الربح السريع
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان أن أحد الأسباب الرئيسة لمهنة التك تك هي تفشي البطالة بين الشباب، وعدم وجود فرص عمل، ما أسهم بانتشارها، وبين في حديثه لـ "الصباح": "أن مئات الشباب الخريجين سنوياً ينضمون لصفوف البطالة من دون عمل، لذلك نلاحظ أن هناك أعداداً كبيرة منهم في هذه المهنة هم من حملة الشهادات الجامعية، ولتحقيق دخل سريع".
مضيفاً "الأسعار المناسبة لتلك العجلات والتسهيلات الكبيرة، كدفع مبلغ أقساط للحصول عليها، أسهمت بزيادة الظاهرة، كما أن الزحام المروري للمركبات الأخرى، والوقوف لساعات جعل من التك تك أكثر قبولاً، إذ يمكنها اجتياز ذلك بنصف الوقت، لذلك بدأ استخدامها في النقل ولتكلفتها الرخيصة وتوفر أدواتها الاحتياطية بكثرة".
وأكد ضرورة إيجاد فرص عمل أخرى للشباب من قبل الجهات المعنية.
تذمر
وأعلنت عمليات بغداد منع دخول التك تك ابتداءً من أيلول الماضي في عدد من مناطق العاصمة، كالغزالية والأعظمية والكاظمية والسيدية وحي الجامعة والعامرية، وتم نشر لافتات في مداخلها، ما جعل البعض من سائقيها يشعر بالاستياء والتذمر، إذ قال محمد رحيم (٢٣ عاماً)، :"هذا الأمر يقف عائقاً أمام عملنا، ومصدر رزقنا".
خطورة
وفي هذا الصدد يوضح الدكتور عبد الكريم خليفة الباحث الاجتماعي والنفسي لـ "الصباح": "أصبحت تلك المهنة مهنة لمن لا مهنة له، وهي ظاهرة غير حضارية في مجتمعنا، كون بعض أصحابها من دون وعي، وبالتالي هناك صعوبة في بناء النمط الاجتماعي، لا سيما أن هناك فئة عمرية من صغار السن يلجؤون إليها، ما يضطرهم لترك دراستهم، أو استخدام العائد المادي منها بأساليب منحرفة كالإدمان وتعاطي المخدرات، والتدخين وشرب الكحول وغيرها أو ارتياد الأماكن المشبوهة، ما يشكل خطورة اجتماعية، إذ لا توجد تنشئة صحيحة لاستخدام عجلة التك تك، خاصة لدى الشباب والمراهقين، وبالتالي كثرة تلك المركبات في الشارع تدل على وجود حالة من الفقر والحرمان، وليست وسيلة نتباهى بها كونها واجهة غير حضارية".
وأشار إلى أن المجتمع العراقي لم يستخدمها في السنوات الماضية، وهي عادة ما تشير للمناطق الفقيرة بالرغم من أنها تحتوي على طاقات بشرية يمكننا استخدامها في بناء المجتمع، خاصة أن هناك أعداداً كبيرة من الشباب ينخرطون في هذه المهنة من دون ضوابط، كما أن أصحابها، لا سيما من الصغار لا يتواجدون في بيوتهم، فتغيب عنهم التنشئة الأسرية الصحيحة".
في النهاية تتطلب تلك الظاهرة تنظيماً وتوعية، لتقليل جوانبها السلبية، والحد من الحوادث والإصابات، وما يخلفه وجود هذه العجلات وزيادة أعدادها من جوانب سلبية كثيرة وكبيرة.