الحروب تزيد أرباح شركات السلاح

بانوراما 2024/12/16
...

 إيلي كليفتون

 ترجمة:  أنيس الصفار

يصعب على المرء مهما تلطف أن ينظر إلى العام الذي انقضى في الشرق الأوسط دون أن يرى كارثة عظيمة لا سبيل للتهوين من شأنها. ففي غزّة قتل نحو 45 ألف فلسطيني جراء القصف الإسرائيلي للقطاع المستمر منذ 15 شهرا، بالإضافة إلى العراقيل الكبيرة التي فرضت كي تحول دون وصول شحنات الأغذية والأدوية كشكل من أشكال العقاب الجماعي بحق السكان في أعقاب هجوم حركة حماس صبيحة 7 تشرين الأول 2023.


بيد أنّ الضرر الناجم عن هذا الصراع الآخذ بالتصاعد سريعاً لم يقع على الجميع، إذ غنم المستثمرون في سوق السلاح مكاسب وأرباحاً قياسية طيلة الفترة الماضية فاقت بشكل دراماتيكي المؤشرات الرئيسية لسوق الأسهم عزاها المحللون إلى العنف وعدم الاستقرار اللذين تشهدهما منطقة الشرق الأوسط.

فقد امتدت رقعة الحرب إلى لبنان، وحتى إلى إيران نفسها عندما اغتالت تل أبيب قادة من حرسها الثوري وحزب الله وحماس، وهي جميعاً اجراءات قابلتها إيران بضربات انتقامية كبيرة على أهداف داخل الكيان المحتل. 

اما إدارة بايدن، التي أمضت الشطر الأعظم من العام الماضي تبذل الوعود بوقف وشيك لاطلاق النار في غزّة وحث الكيان بصوت خفيض على ابداء مزيد من الحرص على حماية أرواح المدنيين، فلم يكن لديها الكثير لتبديه عن الجهود المبذولة بينما هي مستمرة بتزويدها بما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة كي تمضي في حربها الآخذة بالتوسع سريعاً.


أرباح شركات السلاح 

هذه العطايا من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، مضافاً اليها تزايد الطلب الإسرائيلي والعالمي على الأسلحة في زمن يسوده عدم الاستقرار، كانت القوة الدافعة وراء انطلاق أسعار الأسهم على هذا النحو.

هكذا تمكنت شركة "لوكهيد مارتن" (وهي أكبر شركة للسلاح على مستوى العالم ومصنعة طائرات "أف-35" التي يعتمد عليها الكيان لدى قصفه المنتظم لغزة)، عند إغلاق سوق التداول من تحقيق إجمالي عائدات بلغت نسبته 55 بالمئة خلال عام واحد بعد هجمات 7 تشرين الأول، متقدمة بذلك على مؤشر "ستاندرد أند بورز500" بنسبة تقارب 18 بالمئة.

بعبارة أخرى أن استثماراً قيمته 10 آلاف دولار، قبل هجمات 7 تشرين الأول مباشرة، لدى الشركة المصنعة لطائرات "أف-35" قد حقق بعد عام واحد من تلك الهجمات أرباحاً إجمالية مقدارها 5486 دولاراً. مثل هذا الاستثمار لدى "ستاندرد أند بورز500" ما كان لينتج أرباحاً تتعدى 3689 دولاراً.

لم تقتصر أرباح السلاح على شركة لوكهيد. فهناك شركة "ريثون"، وهي ثاني أكبر منتج للأسلحة ومزوّد إسرائيل بالقنابل "خارقة التحصينات" التي يحظر استخدامها في المناطق المأهولة. استخدمت القوات الغازية هذه الأسلحة بشكل متكرر مع المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية العالية في غزّة ولبنان، مخلفة اصابات مرتفعة جداً من الضحايا المدنيين لدى البلدين معاً.

دفع الطلب على هذه الأسلحة وغيرها بأسعار أسهم شركة "ريثون" صعوداً ودرّ أرباحاً ضخمة على المستثمرين، حيث بلغ اجمالي عائدات شركة "ريثون" للمستثمرين خلال العام الماضي نسبة 83 بالمئة متجاوزاً بذلك مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنحو 46 بالمئة. أي أن استثمار مبلغ 10 آلاف دولار في "ريثون" قبل هجمات 7 تشرين الأول يكون قد حقق ارباحاً اجمالية مقدارها 8269 دولاراً. 

شركة "جنرال داينامكس" منتج آخر للقنابل "خارقة التحصينات"، فهي تنتج قنابل "بي أل يو-109" التي استخدمتها الطائرات في اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله في بيروت، مسوّية عدداً من العمارات السكنيّة بالأرض خلال العملية. كانت المكاسب التي حصلت عليها الشركة أصغر نسبياً، لكنها مع ذلك درّت عليهم عائداً إجمالياً نسبته 37 بالمئة وهو أدنى مما حققته الشركات الأخرى، لكنه يبقى متفوقاً على مؤشر "ستاندرد أند بورز 500"  بأكثر من ثلاثة بالمئة.

قد يكون تحقيق الأرباح من الحروب شيئاً مستهجناً في أعين معظمنا، بيد أن محللي مصارف الاستثمار الكبرى في مجال الدفاع أخضعوا المسؤولين التنفيذيين لشركات الأسلحة خلال تشرين الأول الماضي (بعد مرور سنة كاملة من الحرب) للاستجواب المكثف بشأن الكيفية التي حققت بها الشركات والمستثمرون الارباح من الحرب على غزّة.

بعد عام واحد من ذلك التحقيق ثبتت صحّة توقعات هؤلاء المحللين وواصلت القوات الغازية زحفها المدمر بينما ينظر البيت الأبيض إلى دعواته لوقف اطلاق النار وهي ترفض تباعاً في تناقض كما يبدو مع استمراره بإرسال الأسلحة إلى تل أبيب لتمكينها من مواصلة القتال.

لقد أقر البيت الأبيض مؤخرا حزمة مساعدات للكيان بقيمة تسعة مليارات دولار تقريبا سينفق معظمها على الذخائر والأسلحة المشتراة من شركات السلاح الكبرى، الأمر الذي سيرفع اجمالي المساعدات الأمنية الأميركية لها منذ 7 تشرين الأول إلى ما يقارب 18 مليار دولار. في الوقت نفسه، رفضت إسرائيل دعوة أخرى لوقف اطلاق النار، مسببة بلا شك تسارعاً متصاعداً في الطلب على الأسلحة. 


عن مجلة "رسبونسبل ستيتكرافت"