آسيا والمحيط الهادئ نحو طاقة نظيفة بحلول 2050

بانوراما 2024/12/16
...

 أندريا ويليج

 ترجمة: ترجمة: بهاء سلمان


بحلول العام 2050، ستكون منطقة آسيا والمحيط الهادئ المساهم الأكبر في الطلب العالمي المتزايد على الطاقة الأولية، مدفوعا بنمو سكانها واقتصادها. ومع ذلك، ولأجل تحقيق أهدافها في الحد بشكل كبير من تلوّث الهواء وانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، يجب على المنطقة أن تتخلّص من وقودها الرئيسي المفضل حتى الآن؛ وهو الفحم.

ستلعب تقنيات تحييد الغاز الطبيعي وثاني أوكسيد الكربون دورا حيويا في مساعدة آسيا على الابتعاد عن الفحم وتمهيد الطريق لإزالة الكربون، بحسب "بول إيفرنغهام"، رئيس رابطة الغاز الطبيعي والطاقة في آسيا (ANGEA)، التي تدعم تحوّل المنطقة نحو الطاقة النظيفة. معا، سيشكلان مفتاح الدخول لإنشاء اقتصاد دائري لثاني أوكسيد الكربون خلال العقود القادمة؛ وهي نقطة انطلاق مهمة، مع تواصل سعي المنطقة للحصول على بدائل أكثر خضرة.

"يعتقد الكثير من الناس أن استهلاك الفحم بلغ ذروته في السبعينيات، بينما الواقع يشير إلى أنه لم يصل إلى ذروته بعد. وشهد العام 2022 أكبر حجم عالمي من الفحم المستخدم لتوليد الطاقة في تاريخ البشرية، وربما يكون حجم استهلاك العام 2023 أكبر من ذلك،" بحسب ايفرنغهام. وتعد آسيا المحرّك الأكبر لهذه الزيادة؛ فلا يزال نحو نصف احتياجات الطاقة الحالية معتمد على الفحم، وفقا لمنتدى شركات تصدير الغاز. سيكون الابتعاد عن الفحم أمرا حيويا لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الاقتصادات النامية. كما يساهم حرق الوقود الأحفوري في تدهور جودة الهواء. لكن التحوّل بعيدا عن الفحم، الرخيص والمتاح على نطاق واسع،  إلى مصادر الطاقة المتجددة سيكون أمرا صعبا.

تعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ مجتمعة ذات نقاط إنطلاق مختلفة جدا للتحوّل نحو الطاقة. تمتلك بعض البلدان الأصول الطبيعية لاستبدال الفحم بالغاز والطاقة المتجددة. فتمتلك الهند والصين مساحات شاسعة من الأراضي المناسبة لتوليد الطاقة الشمسية، كما أن إندونيسيا والفلبين، الواقعتين على "حلقة النار" البركانية لآسيا، بامكانهما الاستفادة من الطاقة الحرارية الأرضية. بيد أن دولا أخرى لا تملك الكثير من المواد الطبيعية وموارد الطاقة التي يمكنها الاستفادة منها للقفز إلى تقنيات أكثر ملائمة للبيئة.


عقبات رئيسية

"في أجزاء كبيرة من جنوب شرق آسيا، لا توجد موارد رياح كبيرة. إذ تقع سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا بالقرب من خط الاستواء، وهناك، لا تهب الرياح كثيرا، وعندما تهب، فإنها تكون مؤقتة عادة. والمشكلة الأخرى هي الرطوبة؛ حيث يميل الغلاف الجوي في معظم أنحاء جنوب شرق آسيا إلى خلق غطاء سحابي معظم الأيام، وبالتالي يمكن تقييد الطاقة الشمسية."

بغياب مصدر واحد قوي للطاقة الخضراء، تسعى العديد من البلدان لاتّباع مثال اليابان ونشر مجموعة من مصادر الطاقة. وسوف يبرز الغاز الطبيعي بشكل جلي كوقود انتقالي، ليحل محل الفحم خلال الأمد القريب. وفي الأمد الأبعد، ستستمر بعض البلدان بالاعتماد على الغاز عندما لا يكون هناك ما يكفي من إمدادات الطاقة المتجددة ومنخفضة الكربون لتلبية الطلب المتزايد.

ترى وكالة الطاقة الدولية دورا للغاز الطبيعي لتمهيد الطريق لمزيج الطاقة الذي تقوده مصادر الطاقة المتجددة وكمصدر احتياطي للطاقة. ومع أنه وقود أحفوري، تنبعث من الغاز الطبيعي غازات دفيئة أقل بكثير من الفحم. ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن ثاني أكسيد الكربون المنتج لكل وحدة من الطاقة لا يزيد عن النصف مقارنة بتقنية الفحم.

علاوة على ذلك، يمكن نشر تقنيات مثل تحييد الكربون واستخدامه وتخزينه لإخراج ثاني أوكسيد الكربون من غازات المداخن لتوليد الطاقة الحرارية أو الصناعة. وتقول هيئة المسح الجيولوجي البريطانية إن تثبيت تحييد ثاني أكسيد الكربون على محطة طاقة تعمل بالوقود الأحفوري يمكن أن يقلل من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بأكثر من 95 بالمئة.


ترحيب دولي

وقد وصفت وكالة الطاقة الدولية تحييد الكربون واستخدامه وتخزينه بأنه "ركيزة أساسية للجهود الرامية إلى وضع العالم على مسار الانبعاثات الصفرية الصافية". وعلى المدى الأطول، يمكن أيضا مزج الغاز الطبيعي بالوقود الخالي من الكربون ومنخفض الكربون، مثل الهيدروجين والأمونيا لتوليد الطاقة، واستبداله في النهاية بهذه المصادر.

لا يوجد حاليا ما يكفي من الغاز الطبيعي لتحقيق انتقال بعيد المدى لآسيا والمحيط الهادئ، كما يشير إيفرنغهام؛ فالغاز الطبيعي أغلى من الفحم حاليا، وهي حقيقة تفاقمت بسبب أزمة الطاقة العالمية. ومع انخفاض الأسعار، تحتاج آسيا إلى أسعار أكثر معقولية لتحقيق هذه القفزة. ومع ذلك، يتوقع إيفرنغهام أن يصبح المزيد من الغاز الطبيعي متاحا على مدى العامين المقبلين مع توسع صادرات الغاز الطبيعي المسال، واستقرار الأسعار. لكن مشاريع الغاز الطبيعي الجديدة تواجه قيودا تنظيمية، ونقصا متزايدا في التمويل؛ حيث يشير إيفرنغهام إلى أنّ هذه التدابير تهدف لتثبيط استمرار انتاج الوقود الأحفوري على مستوى العالم، لكنها تؤثر عن غير قصد على التحوّل بعيدا عن الفحم لدى بعض الأسواق الناشئة في آسيا.  كما إن الدعم المالي والتنظيمي أمر بالغ الأهمية لرؤية رابطة الغاز الطبيعي والطاقة في آسيا للاقتصاد الدائري المغلق. وسيكون من الضروري تسريع استيعاب تحييد الكربون وتخزينه، والقدرة على نقل ثاني أوكسيد الكربون المحيّد بين البلدان.

تحرص أسواق إندونيسيا وماليزيا وتايلاند وتيمور الشرقية، والدول ذات الوزن الثقيل مثل أستراليا، على تحويل وضعها إلى مراكز لتحييد الكربون وتخزينه؛ وهي تأمل استخدام حقول النفط والغاز المستنفدة والخزانات الجوفية المالحة لتخزين ثاني أوكسيد الكربون. 

ومع ذلك، وكما هو الحال، فإن نقل ثاني أكسيد الكربون سيندرج تحت بروتوكول لندن، وهي معاهدة دولية تحظر حاليا نقل مواد معينة عبر الدول. وتعمل رابطة الغاز الطبيعي والطاقة لآسيا على حل هذه القضية وقضايا أخرى مماثلة في سعيها لانتاج إطار عمل الكربون عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ويرى إيفرنغهام أنه بمجرد حل القضايا الرئيسية وتنفيذ إطار عمل لإدارة نقل وتخزين ثاني أوكسيد الكربون، يمكن أن يصبح هذا فرصة نمو كبيرة للاقتصادات الناشئة في المنطقة. 

ويختتم إيفرنغهام قائلا: "سيلعب الغاز الطبيعي دورا مهما في تمكين الانتقال العادل إلى الصفر الصافي في نهاية المطاف ضمن حدود مواردها الطبيعية وقدراتها الاقتصادية ومسؤوليتها البيئية".


موقع سبيكترا الالكتروني