مراكز العلاج.. طوق نجاة يقود المدمنين الى شاطئ الأمل

ريبورتاج 2024/12/17
...

 بغداد : سجى رياض

في عام 2018، بدأ محمد محسن، الشاب البالغ من العمر 31 عاماً، رحلته المظلمة مع المخدرات. كان الفضول وحب الاستطلاع أول دوافعه لتجربة مادة "الكريستال. لم يكن يعلم أن تلك اللحظة ستكون بداية رحلة مأساوية ستقوده إلى السجن. في حديثه مع "الصباح" كشف محسن عن معاناته اليومية جراء تعاطي المخدرات، بعد ان اكتشف أن الإدمان قد تمكن منه بشكل كامل، حتى أصبح جزءا من عالم مظلم لا ينتهي. لكن رحلته مع الإدمان لم تنته هنا. بعد أن خرج من السجن، ومر بتجربة فقدان والدته التي أوصته قبل وفاتها بترك السموم، بدأ محسن في محاربة إدمانه.
في الحديث عن أصعب مراحل التشافي، قال محسن: "أصعب مرحلة في التشافي هي أول 14 يوما، فالجسم يمر بآلام شديدة، والفكر دائما يعود إلى المخدر. لكن مع مرور الوقت، يصبح الأمر أسهل."
اليوم، أصبح محسن أحد الناجين الذين يساعدون غيرهم على التعافي، حيث ساعد أكثر من 25 شخصا على الخروج من عالم السموم. هذه التجربة جعلته نموذجا للتغيير والشفاء، ليكون بمثابة الضوء في نهاية النفق للعديد من المدمنين الذين يبحثون عن الأمل.

أسباب اجتماعية واقتصادية
تعود أسباب تفشي الإدمان في المجتمع العراقي إلى عدة عوامل اجتماعية واقتصادية، لخصها الدكتور عبد الواحد مشعل، أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب، بـ"البطالة الكبيرة ووجود وقت فراغ طويل لدى الشباب، مما يجعلهم عرضة للإغراءات التي تقدمها المواد المخدرة". كما أشار مشعل في حديثه لـ"الصباح" إلى تفاقم المشكلات الأسرية والاجتماعية، مما يدفع بعض الأفراد للهرب من الواقع إلى عالم المخدرات.
وأضاف أن الحدود المفتوحة مع دول الجوار ساعدت في انتشار المخدرات، حيث تدفقت كميات كبيرة من المواد المخدرة إلى العراق.
وأكد مشعل أنه لا بد من دراسة ظاهرة الإدمان من جذورها ومعرفة أسبابها الرئيسية. وقال: "من خلال تشخيص الأسباب، يمكن وضع خطة للتنمية تعزز فرص العمل وتساعد الشباب على بناء مستقبل أفضل". وأضاف مشعل أن العلاج لا يقتصر فقط على الأدوية والبرامج النفسية، بل يحتاج أيضا إلى معالجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الشباب نحو الإدمان.
وفيما يتعلق بإقناع المدمنين بالعلاج، أشار مشعل إلى أن هذا لا يأتي عبر المواعظ والإرشاد، بل عبر إقناع المدمن بأن سلوكه منحرف، وأن عليه إعادة بناء حياته، الأمر يتطلب فترة طويلة من العلاج والتأهيل النفسي.

حملات التوعية
تواجه مراكز العلاج تحدياً آخر يتمثل في الخوف المستمر لدى المدمنين من الملاحقة القانونية. وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة إيناس كريم من منظمة "عراق خالٍ من المخدرات": "المدمنون يخشون من المستشفيات ويعتقدون أنها تشبه السجون". وأضافت: "نحن نعمل جاهدين عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لإيصال رسالة مفادها بأن المستشفيات هي أماكن علاجية وليست أماكن لتطبيق العقوبات".
هذه النظرة السلبية تدفع العديد من المدمنين إلى التراجع عن فكرة العلاج، مما يزيد من تعقيد مشكلة الإدمان، في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى مزيد من الجهود لتغيير هذه النظرة وإقناع المدمنين أن العلاج هو السبيل الوحيد للنجاة.

القانون يحمي المتعاطين
القانون العراقي قانون رصين يحمي حقوق المتعاطين، ويتيح لهم الفرصة لمراجعة أنفسهم وإصلاح حياتهم، كما أشار المحامي عمر أكرم في حديثه مع "الصباح". حيث اعتبر أن المتعاطي يُعد مريضاً وليس متهماً، مؤكداً على ضرورة وجود الروح الإنسانية في تطبيق القانون، حيث تلعب "روح القانون" دوراً رئيسياً في هذا السياق.
وأوضح أكرم لـ"الصباح" ان هذه الفكرة تستند إلى ما نصت عليه المادة 40 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، التي تنص على أنه "لا تقام دعوى جزائية على من يتقدم من المتعاطين للمواد المخدرة والعقلية من تلقاء نفسه للعلاج في المستشفى أو المراكز المخصصة".

خطة استراتيجية
تعد جهود الحكومة لمكافحة الإدمان جزءا من خطة استراتيجية واسعة تهدف إلى توفير الدعم والعلاج للمدمنين. في بغداد، تم تخصيص عدة مراكز علاجية لمساعدة المدمنين على التعافي، ومن أبرز هذه المراكز مستشفى العطاء التي تُعد واحدة من أهم المصحات العلاجية في العاصمة.
رغم هذه الجهود، يقول مدير مستشفى العطاء الدكتور مصطفى الساكني: ما زالت أعداد المدمنين في تزايد مستمر، اذ يراجع ما بين 40 إلى 60 مريضا يوميا، مراكز العلاج في بغداد.
وأشار الى أن مراكز العلاج استقبلت في عام 2023 نحو 1800 مريض، بزيادة ملحوظة عن 1600 مريض في العام السابق. ورغم هذه الزيادة، يؤكد الساكني أن هذه الأرقام لا تعكس الصورة الكاملة للمشكلة، حيث أن هناك العديد من المدمنين الذين يترددون في التوجه للعلاج بسبب الخوف من الملاحقات القانونية أو الوصمة الاجتماعية التي قد تلاحقهم.  ويقول الدكتور مصطفى "نقوم بمتابعة المرضى لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر بعد خروجهم من المستشفى، لضمان عدم عودتهم إلى تعاطي المخدرات"، مؤكدا أهمية الدعم النفسي المستمر للمتعافين، حيث يوفر المستشفى برامج تأهيل مهني وفني تسهم في إعادة الدمج الاجتماعي للمتعافين، إضافة إلى الدعم العاطفي والنفسي.

توسيع نطاق العلاج
في خطوة لتوسيع نطاق العلاج، تعمل دائرة صحة بغداد الكرخ على تشييد مركز علاج جديد في منطقة الغزالية. وصرح الدكتور وائل كامل الكبيسي، مدير صحة الكرخ، لـ"الصباح" ان المركز الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 100 سرير، سيكون الأول من نوعه في المنطقة، حيث يقدم خدمات متكاملة تشمل العلاج النفسي، والتأهيل المهني، وكذلك مرافق لراحة المرضى". وأضاف أن هذا التوسع يهدف إلى تقليل الضغط على المراكز الحالية وتوفير المزيد من الفرص امام المدمنين للحصول على العلاج.
وأكد الكبيسي أن الفرق الطبية تعمل على نشر الوعي حول مخاطر المخدرات عبر محاضرات توعوية وجولات في المدارس والجامعات. كما يتم توزيع منشورات توعية وتنفيذ فيديوهات توعوية عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مما يساعد في تشجيع المدمنين على التوجه إلى المراكز الصحية.
بدوره، أوضح المتحدث باسم دائرة صحة الرصافة، الدكتور باسم صباح في حديثه لـ"الصباح"، أن مستشفى العطاء، الذي يتسع لـ 150 سريرًا، ومستشفى ابن رشد بسعة 100 سرير، هما من المرافق الصحية الأساسية التابعة للدائرة، إضافة إلى تخصيص مركزين علاجين تابعين لوزارة الداخلية. وأشار لـ"الصباح" إلى أهمية دور مراكز العلاج في معالجة الإدمان وتقديم الرعاية اللازمة للمتعاطين، مؤكداً أن تلك المراكز تعتمد بشكل كبير على التوعية من خلال وسائل الإعلام، ولا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقال: "نحن نعمل على نشر رسائل توعية من خلال اللقاءات التلفزيونية والإعلانات على الإنترنت، مع التركيز على إقناع الشباب بأن العلاج في المراكز ليس فقط فرصة للتعافي بل هو خيار آمن".
وفيما يتعلق بالجوانب القانونية، أكد الدكتور صباح أن المتعاطي الذي يلجأ إلى مراكز الشفاء طواعية لن يتعرض لأي ملاحقات قانونية. وقال: "إذا أتى الشخص للعلاج بإرادته الحرة، فإنه يتم علاجه دون أي مساءلة قانونية. خلال فترة العلاج التي قد تستغرق بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، يتم تعافي المريض بشكل تام".

لجنة نيابية
وفي إطار تعزيز جهود مكافحة الإدمان، شكل مجلس النواب لجنة خاصة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية".
وقال رئيس اللجنة، النائب عدنان برهان الجحيشي : "منذ تشكيل اللجنة النيابية، قمنا بمتابعة جميع المراكز والمصحات المتخصصة وتوفير المعدات اللازمة لها". وأضاف لـ"الصباح" قائلا: "تم تخصيص بعض المواقع العسكرية في المحافظات لعلاج المتعاطين، وأصبح هناك مركز تأهيل في كل محافظة مجهز بالمعدات اللازمة".
وأضاف الجحيشي ان "الجهود الحكومية شملت توفير أراضٍ لبناء مراكز علاجية متخصصة في جميع المحافظات، وتم تخصيص مساحات شاسعة لبناء هذه المراكز التي تضمن تقديم خدمات طبية وتأهيلية متكاملة".
كما أشار إلى أن وزارة الصحة وفرت أجهزة طبية متطورة، إلى جانب تأهيل الملاكات الطبية المختصة في هذا المجال.