بغداد : نور نجاح عبد الله
حقق قطاع النفط في العراق تقدماً كبيراً في استثمار الغاز المصاحب، الذي كان يُحرق بشكل شبه كامل في السابق. إذ أشار المختصون إلى زيادة ملحوظة في نسبة استثمار هذا الغاز، التي وصلت إلى 70بالمئة مقارنة بالسنوات الماضية، مما يُسهم بشكل مباشر في تعزيز الاقتصاد الوطني عبر توفير مصادر طاقة جديدة لتشغيل محطات الكهرباء والمشاريع الصناعية، إضافة إلى دوره الحيوي في تقليل الانبعاثات الكربونية، في تطور يمثل خطوة هامة نحو الاستفادة من الموارد الطبيعية، وتحقيق التنمية.
مدير إعلام وزارة النفط مرتضى نوري الجشعمي، أكد لـ"الصباح"، أن "الوزارة نفذت العديد من الخطط والبرامج التي تهدف إلى استثمار الغاز المصاحب وتحويله إلى طاقة مفيدة"، مشيراً في هذا الصدد إلى أن "هناك اتجاهين رئيسيين في هذا السياق، الأول اقتصادي من خلال زيادة الإيرادات المالية، والثاني فني عبر استخدام الغاز في تشغيل محطات توليد الكهرباء، وكذلك في الصناعات البتروكيماوية والأسمدة" .
وأوضح الجشعمي أن "الوزارة قد نجحت في رفع نسبة استثمار الغاز المصاحب إلى 70بالمئة من إجمالي الطاقة المنتجة من الغاز المصاحب"، مشيراً إلى أن "الوزارة تهدف إلى الوصول إلى 100بالمئة لاستثمار للغاز بنهاية عام 2028، مما يعني إيقاف حرق الغاز تماماً" .
وأضاف الجشعمي أن "وزارة النفط قامت بتوقيع عقدين لتطوير حقول غازية في العراق، في خطوة تهدف إلى زيادة الإنتاج المحلي من الغاز، العقد الأول يتعلق بتطوير حقل المنصورية الغازي في محافظة ديالى، حيث سيتم رفع طاقته الإنتاجية إلى 300 مليون قدم مكعب في اليوم (مقمق) بالتعاون مع شركة صينية، أما العقد الثاني فيتعلق بتطوير حقل عكاس الغازي في محافظة الأنبار بطاقة إنتاجية تصل إلى 400 مليون قدم مكعب في اليوم، مع شركة أوكرانية" .
من جانبه، أشار الخبير النفطي فرات الموسوي إلى أن نسبة استثمار الغاز قد شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة.
وقال لـ"الصباح": في العام 2022، كانت نسبة الغاز المستثمر لا تتجاوز 51بالمئة من الغاز المصاحب، بينما وصلت هذه النسبة في العام الحالي إلى أكثر من 65 بالمئة وهي في ارتفاع.
وأضاف الموسوي أن العراق يخطط لإيقاف حرق الغاز نهائياً بحلول عام 2028، مما سيضع العراق في مصاف الدول المساهمة بشكل كبير في تقليل الانبعاثات الكربونية.
كما أشار الموسوي إلى أن المشاريع الاستثمارية للغاز الطبيعي لا تقتصر فقط على توليد الكهرباء، بل تشمل أيضاً الصناعات البتروكيماوية، وإقامة مصانع الحديد والصلب، فضلاً عن استخدامها في الاستعمالات المنزلية. وأوضح أن العراق يعاني حالياً من نقص في الغاز الجاف المستخدم في محطات توليد الكهرباء، رغم أنه يواصل استثماراته في هذا المجال، مبيناً الحاجة إلى سنوات من العمل لتقليل الاعتماد على الغاز المورد من الخارج، وتحقيق استقلالية في هذا المجال.
الخبير الاقتصادي دريد عبدالله، تحدث لـ"الصباح" عن المشاريع الحالية التي تهدف إلى استثمار الغاز المصاحب، موضحا أن معظم حقول النفط في الجنوب تحتوي على كميات كبيرة من الغاز المصاحب، بينما تعتبر حقول الوسط والشمال فقيرة أو خالية من الغاز المصاحب.
وأضاف أن استثمار الغاز المصاحب في العراق يمكن أن يوفر ما لا يقل عن 19 مليار متر مكعب من الغاز الجاف سنوياً، مما يعني إيرادات سنوية تقدر بنحو 7 مليارات دولار بأسعار الغاز في منطقة الشرق الأوسط.
وأكد عبد الله أن ضعف الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع يعدُّ من أبرز التحديات التي تواجه استثمار الغاز المصاحب، لكنه توقع أن تصل نسبة استثمار الغاز إلى 80 بالمئة خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما عدّه "تقدماً جيداً نحو تحقيق الأهداف المرسومة" .
كما أشار إلى أن استثمار الغاز المصاحب بشكل كامل سيُسهم في زيادة الإيرادات الوطنية، بما يعادل 8 بالمئة من واردات النفط العراقي. ومع تقليل حرق الغاز، سيقلُّ التلوث البيئي بشكل ملحوظ، مما سيعود بفوائد صحية وبيئية على السكان الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط.
عبد الله لفت أيضاً إلى أن الشركات النفطية بحاجة إلى تحفيز أكبر للاستثمار في الغاز المصاحب من خلال إصدار قانون "النفط والغاز" الذي لم يُسن بعد، مما يُعطل توسيع الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي.