مايا مهرارا
ترجمة: بهاء سلمان
تحث إدارة بايدن الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" على خفض سن التجنيد من 25 إلى 18 عاماً لتعزيز الجيش وسط خضم الصراع المستمر مع روسيا، لكن مثل هذه الخطوة قد يكون لها آثار ضارة على التركيبة السكانية المتعثرة في أوكرانيا.
وبرغم وجود أكثر من مليون أوكراني يقاتلون على الجبهة الروسية حاليا، لكن أوكرانيا تكبّدت خسائر فادحة بلغت 43 ألف جندي، وتقدر البلاد أنها بحاجة إلى 160 ألف جندي إضافي. يتساءل الكثيرون: كيف سيؤثر خفض سن التجنيد على معدلات المواليد المنخفضة في أوكرانيا التي يبلغ سن التجنيد لديها 25 عاماً. وأعلنت زارة الدفاع خلال آب الماضي أن مجلس الوزراء صادق على قرار مشروع تجريبي يتم بموجبه تسجيل الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و25 عاماً تلقائيا كمجندين دون فحوصات طبية. كما أن مشروع القانون، الذي يقرأه البرلمان الأوكراني حاليا، يحتوي على بند يسمح للنساء المستوفيات متطلبات الصحة والعمر بالتسجيل للخدمة العسكرية كمجندات.
وكان زيلينسكي قد وقع سابقا على تشريع يخفض سن التجنيد من 27 إلى 25 عاماً، بحسب تقارير صحفية. وتحدثت الولايات المتحدة عن تدريب الجنود إذا خفض زيلينسكي سن التجنيد، إذ قال المتحدّث باسم الخارجية الأميركية "ماثيو ميلر": "إذا ضم الاوكرانيون قوات إضافية إلى القتال، فسنكون مستعدين مع حلفائنا لتجهيز تلك القوات وتدريبها لدخول المعركة."
الأرواح مقابل السلاح
رفض الرئيس الأوكراني الدعوة الأميركية لخفض سن التجنيد عبر منشور على منصة (أكس)، قائلا: "هناك الكثير من المناقشات في وسائل الإعلام حول خفض سن التجنيد للأوكرانيين للذهاب إلى الخطوط الأمامية.. يجب أن نركز على تجهيز الألوية الحالية وتدريب الأفراد على استخدام المعدات"، مضيفا: "يجب ألا نعوّض نقص المعدات والتدريب بجنود أعمارهم صغيرة.. يجب أن تكون الأولوية لتوفير الصواريخ وخفض الإمكانات العسكرية الروسية، وليس سن التجنيد لأوكرانيا. يجب أن يكون الهدف الحفاظ على أكبر عدد ممكن من الأرواح، وليس الحفاظ على السلاح".
تشير أحدث تقديرات وكالة المخابرات المركزية إلى أن عدد سكان أوكرانيا يزيد عن 35 مليون نسمة، بينهم نحو 17 مليونا من الذكور و18 مليونا من الإناث. أما منظمة الصحة العالمية فقد قدرت حجم السكان خلال العام الماضي بنحو 38 مليون نسمة، ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة 15 بالمئة، ليصل إلى 32 مليون نسمة تقريبا بحلول العام 2050. ومنذ بداية آب الماضي، بلغ معدل الوفيات في أوكرانيا ثلاثة أضعاف معدل المواليد، نتيجة لتأثيرات الحرب مع روسيا على أعداد السكان.
شهد النصف الأول من هذا العام انخفاضا بنسبة تسعة بالمئة في أعداد الأطفال المولودين مقارنة بالعام 2023، واستمرت زيادة نسبة الوفيات مقابل المواليد منذ العام 2020. وبحسب رويترز، انخفض عدد السكان بمقدار عشرة ملايين بسبب الوفيات، ومغادرة الكثيرين بحثا عن اللجوء، علاوة على قلة الولادات، منذ بدء الحرب في شباط 2022. كما تأثرت التركيبة السكانية لأوكرانيا بشدة نتيجة لتهجير روسيا لسكان مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا بعد الضم غير القانوني لتلك الأراضي سنة 2022. وقالت روسيا إنها تنوي نقل مواطنيها وكذلك مواطني بيلاروسيا وكازاخستان للسكن في زابوريجيا.
تقول "فلورنس باور"، مديرة مكتب شرق أوروبا وآسيا الوسطى التابع لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "إن معدل المواليد المنخفض في أوكرانيا، والذي يقل حاليا عن طفل واحد لكل امرأة، يتأثر بالفعل بعدم الاستقرار الواسع النطاق والتحديات الاقتصادية. والأسر التي تعيلها نساء، والتي غالبا ما تتحمل أعباء أكبر، معرّضة للخطر بشكل خاص، إذ أفادت 23 بالمئة منهن باحتياجات معيشية شديدة مقارنة مع 14 بالمئة من الأسر التي يعيلها الرجال. وتجعل هذه الضغوط من الصعب على الأسر التفكير بالإنجاب، كما أن نزوح الملايين والحرب المستمرة يزيدان من تفاقم انخفاض أعداد السكان."
مستقبل غامض
وتؤكد باور أنه إذا تم تمرير مشروع القانون الأخير والسماح للنساء بالتسجيل للتجنيد، "ستواجه العديد من النساء حواجز كبيرة تتعلق بنمو الأسر بسبب عدم الاستقرار وزيادة مسؤوليات الرعاية وانقطاع الوصول إلى الرعاية الصحية بسبب الحرب؛ التي مع استمرارها، يمكن أن تتعمق تحدياتها، مؤدية إلى انخفاض أكبر لمعدلات المواليد وإضافة ضغوط إلى عدد السكان المتناقص فعلا. تواجه الأسر التي تعيلها النساء، والمرشحة للزيادة بسبب النزوح وسوق الرجال إلى الحرب، ضغوطا اقتصادية واجتماعية غير متناسبة وفريدة من نوعها".
ونوّهت المسؤولة الأممية بقلة معدل مواليد الأوكرانيين بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة، لأن "أقل بقليل من طفل واحد لكل امرأة، هو الأدنى للمنطقة وأوروبا". وأضافت أن "التحديات الديموغرافية أكثر حدة لدى أوكرانيا بسبب الاضطرابات الناجمة عن الحرب، مثل النزوح وعدم الاستقرار الاقتصادي. فضلا مغادرة الملايين طلبا للجوء، وكثير منهم من الشباب. وتجعل هذه العوامل أوكرانيا في وضع ديموغرافي أكثر خطورة مقارنة بالدول المجاورة."
وقالت باور إن العواقب الطويلة الأجل للانحدار العام لسكان أوكرانيا "تمتد إلى أبعد من خسارة فورية للموارد البشرية لتشمل الاضطراب الاقتصادي ونقص العمالة وضعف النظم الاجتماعية. ومع شيخوخة السكان وارتفاع معدلات الهجرة إلى الخارج، تواجه البلاد انحدارا مركبا لقوتها العاملة، مهددا جهود التعافي. ومن دون تدخلات جوهرية، يمكن أن تقوض هذه الاتجاهات الديموغرافية قدرة أوكرانيا على دعم تنميتها والحفاظ على التماسك الاجتماعي".
واختتمت باور بالقول: "يتطلّب معالجة هذه التحديات إرساء أسس للتعافي الطويل الأجل، حتى مع استمرار الحرب. من خلال الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وتحسين ظروف الرعاية الصحية والتعليم، وخلق فرص للشباب والأسر للازدهار. وتركز الاستراتيجية الديموغرافية لأوكرانيا على المساواة بين الجنسين، وبيئات العمل الصديقة للأسرة، والسياسات الشاملة لتشجيع بناء الأسرة، لكن الصراع الدائر لا يزال يشكل عائقا كبيرا، ما يؤكد الحاجة للسلام لتأمين مستقبل ديموغرافي مستقر، لكن من الضروري بنفس القدر خلق ظروف معيشية آمنة وحماية رأس المال البشري للبلاد أثناء الصراع."
مجلة نيوزويك الأميركية