طالب سعدون
ما حدث في سوريا قبل أيام بسقوط نظام الأسد لا يمكن أن يوصف إلا بأنه فلم من أفلام اللامعقول.. مدن وقرى ومطارات ومعسكرات تتساقط واحدة بعد الأخرى كأوراق الخريف الصفراء دون مقاومة عسكرية ولا شعبية، بحيث تأخذ عملية التغيير زمنا يناسب قوة تلك المقاومة بل لم تأخذ العملية أكثر من زمن قطع المسافة فقط بين مدينة واخرى بالساعات وربما بالدقائق الى أن دخلوا العاصمة دمشق بعد أن أحكمت المعارضة السيطرة عليها لمدة يومين، وحطوا الرحال فيها وهي بدون بشار الأسد، لأنه غادرها صباحا ووصل الى مأمنه هو وعائلته خارج سوريا هاربا، تاركا طاقم حكومته وكبار مسؤوليها وحاشيته ليسلم بنفسه.
وبذلك انتهى كل شيء في ايام معدودات، وتطوى صفحة عائلة الأسد التي استمرت أكثر من 53 عاما .. ابتدات باستلام حافظ اسد الحكم في 22 شباط عام 1971 وانتهت بسقوط بشار في صباح 8 كانون الاول 2024.. لتبدأ مرحلة جديدة.
كان مخططا لهذا التغيير ان يحصل قبل حوالي 13 عاما لكن تأخر إلى هذا التاريخ، بسبب القوة التي استخدمها النظام وعوامل خارجية .. ومع ذلك استمرت المعارضة تقاتل ولم تتوقف وحصلت على موطئ قدم لها في مناطق كثيرة من سوريا وتمركزت فيها كل هذه السنوات.
الحروب التي شهدتها المنطقة عموما جعلتها تعيش حالة من الفوضى ومنها سوريا. واقتطاع اجزاء كبيرة من أرضها جعل شعبها يعيش حالة من المعاناة الممزوجة بالفوضى السياسية، وتمرد جزء منه على سيطرتها وخروج قرار النظام من قبضة يده.
والفوضى خطيرة وربما أخطر من أسلحة الدمار الشامل. فعلى سبيل المثال يعد الدكتور جورج فريدمان استاذ السياسة في كتاب له يستشرف فيه حال الاعوام المائة القادمة ( الفوضى كأحد الأسلحة المهمة بيد الدول ) ويأخذ امريكا مثلا فهي بحاجة الى إغراق المنافسين المحتملين في أزمات لا تنتهي لضمان تفوقها الدائم. فيقول ( إن أمريكا لا تحتاج الى الانتصار في الحروب.. ما تحتاجه بكل بساطة هو اغراق الاخرين في الفوضى بحيث لا يمكن لهم إنتاج ما يكفي من القوة لتحدي هيمنتها)