د. عبدالله حميد العتابي
كان من حسن حظي أن اتواجد في دمشق في مطلع هذا الشهر بضيافة جامعة دمشق العريقة لمناقشة أحد طلاب الدكتوراه في كلية الآداب/ جامعة دمشق، وخلال الأيام التي قضيتها هناك هالني ما رأيته في الشام من فاقة وعوز وحاجة وترد معاش مهين وغلاء فاحش لا يطاق، وجلست مع أقراني السوريين من أساتذة الجامعة، وسمعت شكواهم من فقدان الطاقة الكهربائية وانعدامها، فصيلا عن غلاء الغاز والمشتقات النفطية حتى قيل لي من احد الاساتذة الجامعيين ان قنينة الغاز تعادل مرتبه الشهري، حينذاك تيقنت بأن لا أحد من أهل سوريا سيدافع عن راس النظام، فابسط مقومات الحياة هناك فقدت وانعدمت. بين العراق وسوريا، جوار جغرافي وتداخل اجتماعي فعلى سبيل المثال أن العشائر العراقية والسورية تتداخل فيما بينها على نحو وثيق في المنطقة الجزيرة بين نهري دجلة والفرات، إذ تنتشر عشائر شمر، التي يتوزع أبناؤها بين محافظتي الحسكة ونينوي، والسياق نفسه في منطقة وادي الفرات، إذ دير الزور والأنبار، وعشائر العكيدات، ولعل تداخل العشائر في هذه المنطقة أكثر تأثيرا على مجريات الحياة العامة في البلدين. لذا كان من البديهي أن يتفاعل العراق مع أي تطورات سياسية أو اجتماعية في سوريا، بل من المنطقي تماما أن يكون في طليعة المعنيين بها، وتشير تجارب العقود الماضية انه غالبا ما كانت الساحة العراقية الصد الأكثر سرعة لمجريات الأحداث السورية وهذا ما لمسناه حينما سقطت الموصل على أيدي مقاتلين قادمين من سوريا
نتيجة لذا تحولت سوريا في الحسابات العراقية إلى شأن داخلي عراقي، ولم تعد خطرا قوميا أو قوميا كما كان يردد هنا على مدى عقود سابقه من الزمن، ومما يشير إلى إدراك العراقيين أن مستقبلهم أضحى مرتبطا بمعنى من المعاني، بمستقبل سوريا نفسها، وهذا هو الإدراك السائد لدى الرأي العام العراقي. ولا تبدو ثمة مبالغة في هذه القراءة العراقية. وفي هذه اللحظة التاريخية الفاصلة أدعو الحكومة العراقية إلى دعم النظام السوري الجديد بتزويده بالنفط بأسعار مدعومة وتزويده بالاغذية والادوية الاساسية، وتعزيز التعاون الاقتصادي وأكرر ان سوريا هي الأقرب دولة لنا تاريخيا وتركيبة سكانية وقهراً من نفس حزب البعث إن تأسيس علاقات إيجابية وبناءة بين العراق والنظام الجديد في سوريا لن يتحقق بالتصريحات البراقة، ولا بالخطب المفعمة بالنيات الطيبة، بل عبر العمل المشترك والحوار الجاد بين الأطراف المعنية وإذا كانت هناك مخاوف وتحديات فإن مسؤولية الطرفين هي تذليل تلك العقبات ومواجهة المخاوف فضلا عن تبني مقترحات عملية تسهم في تعزيز هذه العلاقات على أسس سليمة تتجاوز ارث الماضي ومخاوف الحاضر وتتطلع بثقه وتفاؤل إلى المستقبل.