حسين الذكر
العراق يقع ضمن منطقة جغرافية، يقال إنها أولى الحضارات وأقدمها، وتشكل أرضاً خصبة عامرة بنهري دجلة والفرات، ما جعلها موطناً لأول إنسان على وجه الخليقة، حسب الروايات وربما سيكون لما يسمى بالقيامة.
يقع على خط زراعي تاريخي يسمى الهلال الخصيب منذ آلاف السنين وذلك من سوء حظ شعوب المنطقة، إذ جعلهم القدر ضحايا لجميع الغزوات من كل الجهات، إسكندرانية إغريقية أو هولاكية مغولية أو رأسمالية أو اشتراكية وحتى الإقليمية. هذه المقدمة استحالت أن يكون وضع البلدان الخصيبة نتاج حراكها المحلي، إذ هناك تدافع وتقاتل دولي لفرض إراداتهم وديمومة مصالحهم الاستراتيجية. ما يجعل هذه الدول وشعوبها تحت الضغط وصناعة الملفات بشكل دائم . هذه البلدان تتأثر بعضها ببعض، فما يحدث في لبنان يصبح في سوريا والعراق والعكس صحيح، كأنها جسد واحد وربما تواجه قدراً واحداً. الشواهد القريبة والبعيدة تدل على ذلك عبر مدونات التاريخ بمختلف مصداقية وتوجهات مدونيها. بعد تغيرات 2003 في العراق الذي كان يطمح شعبه إلى الكثير من الخير في ظل دولة المؤسسات وسيادة القانون ووحدة الشعب وحفظ مصالح جميع أطيافه. تعرض النموذج العراقي للأسف لكثير من التشويه جراء ذلك التشابك والتضاد بين المصالح الإقليمية والدولية، ما جعلنا نعيش تجربة مرة خلال عقدين من الزمن، لم يستطع صاحب القرار أو المفكر الاستراتيجي العراقي، وضع لبنات بناء دولة وحكومة تمثل الجميع، بعيداً عن المحاصصة والتوافق المكوناتي الذي أصبح بديلاً عن الاطمئنان والإحساس الوطني لمختلف طوائف وشرائح الشعب. هنا لا نلوم جهة على حساب جهة، لكن نريد القول إن الحكومات المتعاقبة جراء الفساد المستشري والمحسوبية والتوافقية والمكوناتية وتراكم الملفات المعقدة. ولدت ضعيفة، ما منع المواطن من تحسس خدماتها. بل إنها كانت وما زالت عرضة للاسقاط بأي تظاهرة كبرى أو مجرد استخدام ملف الكهرباء أو رفع الدولار أو اصطفاف القوى الناعم أو أي ملف آخر ديني أو ثقافي أو اجتماعي قادر أن يهز الدولة هزاً. ما يحرمنا من العلاجات الحقيقية الناجعة ويضطرنا تحت وقع الخشية من المجهول القبول بالحلول التلزيقية والترقيعية. الاعتقاد السائد في ظل تأكيد المرجعيات على ضرورة محاربة الفساد وحصر سلاح بيد الدولة ووضع حلول للمشكلات. نعتقد أن العراقيين يتعرضون للسحق والضغط الممنهج منذ أكثر من خمسين عاماً، بأقل تقدير. ما يتطلب الأخذ بنظر الاعتبار محاولة بناء أجيال جديدة قادرة على العيش بسلام وأمان مع بعض بحس وطني عال، لا يعلو عليه شيء وبنظام مستقر ودولة، يحكمها جهاز مدني بأقل عدد من الموظفين ويقدم أكثر وأفضل الخدمات.
ذلك ممكن عبر نقطتين أساسيتين :
1 - توقيع اتفاق استراتيجي جديد بعنوان ( 4+1) يضم العراق وأميركا وروسيا وإيران وتركيا. التي تمتلك قوى ومصالح وتأثيراً تاريخياً معيناً في العراق. يكون الاتفاق بعيد المدى لخمسين عاماً، بأقل تقدير يساعدنا لبناء دولة مدنية مسالمة مهمتها بناء الإنسان والمؤسسات وصولاً لبناء الوطن.
2 - إعادة كتابة الدستور بتأن بمشاركة جميع القوى البرلمانية وقوى المجتمع المدني وممثلين عن الأقليات لتجاوز الأخطاء والعقد التي وضعت في دستورنا جراء الظروف التي أجبر أن يولد فيها مع الحفاظ على مكتسباته، في ما يتعلق بحرية التعبير والفيدرالية والديمقراطية كممارسة ثقافية اجتماعية سلوكية قبل أن تكون تبادلاً وتوزيعاً لقوى السلطة ومكتسباتها.