تعني العزلة أنك منعزل عن الناس، والوحدة تعني أنك وحيد مع نفسك، هذا يعني أنهما تبدوان لك حالة واحدة، لكنهما تختلفان سايكولوجياً؛ بمعنى أن الأسباب التي تدفعك الى أن تكون وحيداً مع نفسك هي غير الأسباب التي تضطرك الى أن تنعزل عن الناس وتتجنب الاختلاط بهم.
لنبدأ أولاً بتحديد معنى أو مفهوم العزلة النفسيَّة (Isolation).
يتفق السايكولوجيون على أنَّ العزلة تعني عدم وجود اتصالٍ مع الناس، تحدث أو تكون ناتجة عن إما عن: علاقات سيئة مع آخرين، أو فقدان أحبة، أو أمراض
معدية، أو اضطراباتٍ نفسيَّة، أو اضطرابات عصبيَّة عضويَّة، أو ظروف عملٍ صعبة.
وهناك نوعان من العزلة: إيجابيَّة، وتحصل عند كتّاب الرواية بشكلٍ خاصٍ، يجسدها قول الكاتب الجيكي فرانز كافكا بقوله: (في علاقتي مع الآخرين جزءٌ طفيفٌ مني يتوسل المواصلة، وجزءٌ هائلٌ مني يرغبُ في الهروب).
ويرى كثيرٌ من الأدباء والعلماء أنهم في العزلة (لا يستمع أحدٌ الى وقع قلبك سواك ولا تختلج في أنفاسك سوى راحة روحك)؛ ما يعني أنَّ المرء يختار العزلة ويسعى إليها لغرضٍ ما ليصفِّي ذهنه أو ليستغرق في أفكاره مثلاً، أو ليعمّق علاقته بذاته ويستكشفها، أو ليستريح من الاتصال الدائم والمُلِحّ بالعالم.
والنوع الثاني من العزلة هو العزلة السلبيَّة وسببها أنَّ الشخص المصاب بها يميل الى الانطواء ولا يكون لبقاً في حديثه، ولا يجيد التعامل مع من حوله من الناس، ويفتقر الى الذكاء الاجتماعي وعدم القدرة على التواصل مع الأشخاص المحيطين.
والأغرب من هذا أنَّه يشعرُ بالغربة حتى مع وجود أشخاصٍ آخرين، ما يعني سايكولوجياً أنَّ العزلة عند هذا النوع من الناس
شعورٌ داخليٌّ بالغربة لا يمكنهم السيطرة عليه.
أما الوحدة النفسيَّة (loneliness) فهي عاطفة تتميز بالشعور بالألم الناجم عن الافتقار الملحوظ للعلاقة الحميمة مع الآخرين أو مع أنفسنا، وأنها ترتبط بالاكتئاب، وضعف الدعم الاجتماعي، والعصابيَّة، والانطوائيَّة، وغالباً ما تؤدي الى خطر الإصابة بأمراضٍ جسديَّة وقد تسهمُ في تقصير العمر.
ولا تقل إنَّ معظم العراقيين يشعرون بالوحدة، لأنها شعورٌ إنسانيٌّ عالميٌّ لدرجة أنَّ كثرة المصابين به دفع بريطانيا الى أنْ تعيّن في العام 2018 أول وزيرة للوحدة في العالم، وصفتها رئيسة الوزراء آنذاك بأنها الحقيقة المحزنة لحياة كثيرٍ من الناس.
ونظراً لتعدد أسبابه، فإنَّ حدَّته وطبيعته ونتائجه تختلفُ من فردٍ الى آخر، فالطفل الذي يجد صعوبة في تكوين صداقاتٍ في المدرسة، يختلفُ شعوره واحتياجاته عن رجلٍ توفيت زوجته مؤخراً.
واعلم أنَّ الوحدة لا تعني بالضرورة أنك معزولٌ وموجودٌ في مكانٍ ما وحدك، بل هو شعورٌ باطنيٌّ بانعدام التواصل مع العالم يؤثر في صحتك وحالتك الذهنيَّة.
والأغرب فيها أنَّك قد تكون محاطاً بأسرتك لكنَّكَ تشعرُ أنك بعيدٌ عنها، وقد تبدأ وظيفة جديدة ممتعة ومثيرة لحماسك وتتعرف فيها على زملاءٍ جددٍ، ومع ذلك فأنتَ ما زلت تشعر بالوحدة.
الآن صار واضحاً أنَّ العزلة والوحدة حالتان سايكولوجيتان مختلفتان مع أنَّ أسبابهما متشابهة، وأنَّ عليك أنْ تمارسَ حالتيهما الإيجابيتين وتكون أقوى من أنَّ محاولتهما الإيقاع بك في حالتيهما السلبيتين، فتخسر نفسك والآخرين وحتى أسرتك.
ودعوة للشباب: رفقاً بآبائكم وأمهاتكم الذين طرقوا باب السبعين، لأنَّ العزلة والوحدة تدخلان عليهما فيكونان ضحيتيهما ما لم تشعرونهما بالمؤانسة.