عبد الأمير المجر
لم تأت دهشة وزير الخارجية الاميركي بلينكن بحيوية بغداد من فراغ، وهو يشاهد حجم الإعمار فيها، والذي عبّر عنها امام رئيس الوزراء السوداني حين التقاه مؤخرا، فالذي غادر بغداد قبل ثلاثة اعوام وعاد إليها الآن يدرك حجم التطور الذي شهدته عاصمتنا الحبيبة، لكن هذا التطور الذي يقف وراءه القطاع الخاص والاستثمار، لم يرافقه جهد خدمي مناسب من قبل امانة بغداد والجهات المعنية الأخرى، وأن الكثير من اللمسات التي لا تكلف كثيرا، تحتاجها بغداد ليكون نهوضها العمراني موازيا لنهوضها المدني، الذي شهد للأسف تراجعا كبيرا جدا.
بدأ منذ تسعينيات الحصار واستمر إلى اليوم، حيث فوضى الاسواق والمرائب وغياب النظافة المطلوبة وتنظيم المرافق المختلفة.. لقد آن الأوان لأن نوقف زحف البسطات العشوائية، التي اكتسحت قلب العاصمة وصار منظرها يثير القرف، لاسيما في منطقة الميدان، اذ تفترش الارض انواع مختلفة من البضائع العتيقة والملابس المستعملة وغيرها وتغطي الشوارع بحيث يصبح مرور الاشخاص والسيارات صعبا، وقد زحفت هذه البسطات بشكل غريب لتصل قبالة باب وزارة الدفاع الرئيس، ناهيك عن البسطات الاخرى في مدخل شارع الرشيد وما يرافق ذلك من حركة غير منتظمة للناس، وسط هذه المفروشات والمعروضات التي يجب أن تجد أمانة بغداد وسيلة لتنظيمها في الأقل بما يجعل حركة المرور طبيعية وملامح المكان واضحة، كون تلك المنطقة تتواجد فيها أهم وأرقى اللمسات المدنيّة البغدادية من مقاه تراثية ومطاعم ومحال عريقة وراقية.. من يسير في منطقة الميدان يوم الجمعة سيصاب بالقرف مما يشاهده من مناظر لا تمت لبغداد واناقتها المعروفة بصلة، اذ هناك صبات من الكونكريت ما زالت تقطع نصف الطريق عند مدخل شارع الرشيد وعربات بيع الاطعمة وغيرها تكتسح الارصفة، ناهيك عن منظر البنايات التراثية الآيلة للسقوط ومنظرها المثير وهي تطل بشكلها هذا على أقدم وأشهر ساحة في بغداد، كانت بالأمس القريب معروفة بحيويتها كونها منطلق الحافلات إلى مختلف مناطق العاصمة، إضافة إلى المحال التجارية والمطاعم الراقية التي تشتهر بها ساحة الميدان، وقد أضفت عليها البنايات الحديثة مهابة ورونقا صارت تفتقده بشكل تدريجي حتى غدت اليوم كما لو أنها منطقة مهلة ومنسية وميدان للقاذورات والبسطات العشوائية، التي غيبت ملامحها وأعطتها صورة مغايرة لما عرفت به من قبل.
في كل يوم جمعة حين اذهب الى هناك اشعر بالإحباط، مثلما يتملكني الشعور ذاته حين اكون في الباب الشرقي وبعض مناطق العاصمة القديمة، مثل الصدرية التي تعد قلب بغداد القديمة النابض، ولعلها ما زالت كذلك، لكن للأسف الفوضى التي تعيشها اليوم أفقدتها بهاءها القديم وغيبت ملامحها بشكل يثير الحزن والأسى .. نتمنى على امانة بغداد والجهات المعنية بالعاصمة الأخرى أن تنظر بعين الاهتمام لهذه المسألة، وتعمل على معالجة هذه الفوضى التي بلغت حدا لا يطاق بصدق.